استمر الحراك السياسي في سورية وأصبح الناس ينشطون أكثر نتيجة حرب العراق، وأصبحنا نستفيد من الأجواء يعني هذه ليست أجواء القمع التي حصلت بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر والآن أصبحت توجد إمكانية الذهاب والتحرك والكلام واللقاء بالناس بحجة الشأن العام الحالي، وطبعًا من في طبعه السياسة لا يستطيع أن يجلس فبدأت تعود المنتديات شيئًا فشيئًا، المنتديات السياسية صحيح في معظمها منتديات ليبرالية قوميين عرب أو بالأحرى أصحاب توجهات قومية يعني لم تكن تجمعات إسلامية لأن الإسلاميين كانوا في ذلك الوقت خائفين أن يعودوا إلى العمل في السياسة وأنا ذكرت في الحلقة الماضية وجهة نظرنا تجاه القضية والخلافات الداخلية بين بعضنا في الوقت نفسه التيار الإسلامي كان بالنسبة له في ذلك الوقت والذي سيطر عليه التيار السلفي كان من الأولى أن يرسل أبناءه إلى العراق، وحتى الذين لا يرغبون بذلك داخليًا توجهاتهم مختلفة، وفي تلك الفترة حصل شيء مهم وهو المؤتمر الذي دعا إليه الدكتور محمد حبش في 11 و 12 من شهر شباط أو 10 أو 11 أو 12 من شهر شباط/ فبراير 2004 بداية السنة تحت اسم "تجديد الخطاب الديني" ودعا شخصيات مهمة جدًا من العالم الإسلامي، وكانت المفاجأة أن الحضور من الشباب طلاب الجامعات في دمشق وترافق هذا مع افتتاح القاعة الجديدة وهي قاعة رضا سعيد خلف مدرج جامعة دمشق القديم قاعة ضخمة جدًا امتلأت بأكثر من ألف شخص على مدى الأيام الثلاثة وحضور المحاضرات ولا أزال أذكر ثلاث محاضرات بالغة الأهمية أهمها محاضرة المفكر السعودي المرحوم الشهيد عبد الله الحامد الذي مات صبرًا في السجن في السعودية قبل أشهر كان عالمًا كبيرًا لدرجة [أنني] من شدة انبهاري في محاضرته بعد أن انتهت المحاضرة قفزت إليه وقلت له: أريد المحاضرة. وقال لي: أنا لا يوجد عندي إلا هذه الورقة. قلت له: أنا لا أفهم هذه النسخة لديك مطبوعة إذا يوجد عندك نسخة أخرى على الكمبيوتر لن أتركك حتى آخذها وسبحان الله -رحمه الله- حمل الورقة وقال: هي لك. وبالمناسبة في تلك المحاضرة طرح مفهومًا لأول مرة أنا أفهمه وهو تأكيد لأحد مبادئ الأستاذ جودت [سعيد] جمعوا بين الإخلاص والصواب فجاء بتفسير رائع جدًا لقوله تعالى: "الذين آمنوا" أي أخلصوا "وعملوا الصالحات" يعني أصلحوا أعمال الدنيا ولذلك نلاحظ في القرآن الكريم دائمًا يقول الكريم: "الذين آمنوا وعملوا الصالحات" ومعنى عملوا الصالحات ليس المقصود فيها الإخلاص وإنما المقصود فيها أن نعمل صالحًا ترضاه وهو عمارة الأرض، وبالتالي الجمع ما بين الإخلاص والصواب كانت فكرة غاية بالروعة وترسخت لدي أكثر، وهذا المفهوم في هذا المؤتمر الرائع كان المرحوم الشهيد الشيخ عبد الله حامد هو من طرحها وأيضًا كانت من المحاضرات القيمة جدًا محاضرة الأستاذ جمال البنا طبعًا الأستاذ جمال البنا هو الوحيد الذي ألقى محاضرتين محاضرة في مؤتمر والمحاضرة الثانية وهي الأكثر أهمية والتي عُقدت مساء يوم 12 شباط/ فبراير في مركز الدراسات الإسلامية الذي يرأسه محمد حبش في حي الميسات في دمشق يعني كان الحضور تقريبًا بحدود المئة وكانت دعوات خاصة لأن المجال لم يكن يتسع ولكن كانت نخبة رائعة جدًا والنقاش الذي حصل تركز بشكل أساسي على مجموعة من النقاط التي يطرحها الأستاذ جمال البنا لإعادة النظر في ميراثنا الفكري ولا أزال أتذكر مما قاله في بداية المحاضرة أنه في مثل هذا اليوم 12 شباط/ فبراير قبل 55 عامًا قُتل الإمام البنا -رحمه الله- شقيق جمال البنا ثم قال: ولو أن حسن البنا أمد الله في عمره لغيّر كثيرًا من أفكاره وأحضر لنا مقولة للبنا كان يقول فيها: لو استقبلت من أمري ما استدبرت طبعًا هو كان يعلق على ما جرى من تشكيل التنظيم السري واستخدام العنف، وكان حسن البنا قبل استشهاده بأيام يقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما كنت إلا لأعلم وأربي، وهذا اعتراف واضح وصريح ولكن هذا الذي حصل.

في محاضرة جمال البنا وأنا سوف أتحدث لكم الآن عن اللقاء المطول بيني وبينه النقاش الذي جرى ولكن في هذا اللقاء تعرفنا على شخصية مهمة -رحمه الله رحمة واسعة- قتله النظام بعد سنة وهو الشيخ معشوق الخزنوي وهذه كانت أول مرة أعرفه كنت أسمع به، ولكن لا أعرفه ولم أكن أتخيل أن سليل مدرسة صوفية تقليدية يتحدث بهذه الطريقة الرائعة ووجهة النقد إلى المرويات وطريقة التفكير الإسلامي في ميراثنا الفكري والحقيقة ملفتة جدًا للانتباه، ولكن لم يحصل لنا الشرف أن تتعمق صلتنا به في ذلك الوقت، ولكنه كان شخصًا ملفتًا أن يخرج من بين ظهراني المدرسة الخزنوية مثل هذا يعني هذا يعطيك انطباعًا حول إمكانية أنه فعلًا أن يخرج من بين أصلابنا من هم خير منا كثيرًا وأعقل منا وممكن أن يقودوا الأمة نحو الأفضل.

ربما خطفه وقتله [كان] لأسباب أخرى، ولكن قطعًا النظام لم يكن يؤيد أفكاره أبدًا، ولكن أنا أعتقد أنه قُتل لأسباب أخرى أسباب سياسية بحتة وهو بدأ يبرز كشخصية كارزمية (ذات جاذبية وتأثير) قيادية ضمن المكون الكردي وهذا سوف يكون له تبعات سياسية لذلك كان الشخصية المحافظة الوحيدة، وأنتم تعرفون بشكل عام الأحزاب الكردية باستثناء الـ "بي واي دي" الذي أنشئ في عام 2003 أيضًا وهذا ذو دلالة. 

بشكل عام الأحزاب الكردية هي جميعها أحزاب علمانية وأن تخرج شخصية محافظة عقلانية وتبدأ بحراك سياسي فهذا قطعًا سوف يشكل خطورة على النظام لأن إمكانية انتشاره وامتداده في أوساط الإخوة الكرد كانت سوف تكون كبيرة جدًا، ولكن يجب أن نعترف في أمر أنه في تلك الفترة أنا لم يكن عندي تلك التصورات التي من خلالها أستطيع أن أدرك الدور الخطير الكبير الذي سوف يفعله هذا الرجل فيما بعد يعني ربما كنا نأخذها أنها مدرسة وهذه المدرسة لها مشايخ وبالتالي فإن الشيخ سوف يستأثر بكل شيء، وهذا الكلام ليس بالضرورة أن يكون دقيقًا. 

والشاهد في ما أريد أن أقوله في مؤتمر تجديد الخطاب الديني أنه حصل لقاء مطول مع الأستاذ جمال البنا والأستاذ جمال البنا هو عقلية فريدة ركز كل جهود حياته على شيء محدد وهو إعادة النظر في ميراثنا الفكري وهو صاحب مقولة: أنه لكي يقبل ما يسمى بالحديث الصحيح يعني ليس فقط أنه ورد حديث في صحاح الكتب بخاري ومسلم وابن ماجه والنسائي إذا ورد فيه فإذًا هو يقبله؟ كلا ولكن يضع 12 شرطًا لقبول الحديث الرواية ومن بين هذه الشروط: ألا يكون متعارضًا مع القرآن الكريم وألا يتعارض مع الحقائق العقلية القاطعة وأيضًا مثلًا ألا يكون فيه إخبار عن غيب يعني الغيب بالنسبة له دائمًا كان يتكلم جمال البنا أن القرآن الكريم يتحدث بلسان النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: "لو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء". وأيضًا مثلًا: الأخبار المتناقضة رواية أحاديث آخر الزمان مع العلم القرآن الكريم يقول: إن التجربة الإنسانية سوف تنجح في الوقت الذي الرواية تقول: "ما يمر زمان إلا والذي بعده شر منه". والآن نحن نرى رغم كل الآلام التي نعيشها نحن الآن مع ذلك الوضع الحالي هو أفضل مما كان عليه من قبل ألف سنة في التاريخ البشري لذلك فيلسوف الباكستان لقط لقطة رائعة جدًا في فهم قوله تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفه قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" بماذا أجابهم الباري عز وجل: "إني أعلم ما لا تعلمون". أي أن التجربة سوف تنجح ويجب ملاحظة اللقطة التي التقطها الفيلسوف محمد إقبال يقول: إن البشرية لا تزال في مرحلة ظن الملائكة وهو أن البشر سوف تسفك الدماء ولم تصل بعد إلى مرحلة علم الله أنه في النهاية البشرية سوف تتطور وتتحسن وتصل إلى مرحلة علم الله، لذلك أنا أحد الأشخاص أؤمن أن الديمقراطية هي أحسن ما قدمت البشرية في ال300 سنة الأخيرة وحتى ثارت علي عاصفة بأن إخوتي من الإسلاميين عندما كتبت بوست (منشورًا) على "الفيسبوك" قبل عدة سنوات أن الديموقراطية هي أقصر طريق لنا إلى الجنة وأنا مؤمن بهذا حقيقة يعني كيف تريد أن تنال رضى الله سبحانه وتعالى إلا أن تسير وفق نهجه الذي يعتمد بشكل أساسي على فكرة الحرية، لذلك لقاؤنا كان مع جمال البنا في ظل هذه الطروحات الملفتة للانتباه التي كان يطرحها فقمت وطرحت عليه السؤال التالي: ما رأيك بما نفعله؟ وأنا شرحت له من نحن رغم أننا لم نكن في مدرسة، ويا ليتنا كنا مدركين لأبعاد ما يمكن أن يجري لكنا أطرنا أنفسنا وأصبح لنا ترتيب معين كمدرسة فكرية وكنا مجموعة أصدقاء ونلتقي في الأسبوع مرتين على الأقل ونتبادل وجهات النظر وننقل لبعضنا الأخبار السياسية والفكرية وقلت له: نحن قررنا… بدأنا بإعادة النظر في ميراثنا الفكري ثم الآن قررنا الانخراط في العمل السياسي لأننا أصبحنا نقتنع أنه لا يمكن أن تمر أفكارنا وأطروحاتنا الفكرية في المجتمع بدون مزيد من هامش السياسة فكانت المفاجأة أنه كان ردًا حاسمًا أن هذا خطأ فادح ستدفعون ثمنه ولن يستفيد المجتمع من محاولاتكم، لن تتغير مجتمعاتنا سياسيًا إلا عندما تتطور فكريًا لذلك لا داعي أن تعملوا في السياسة على الإطلاق ننصحكم بالابتعاد عن العمل السياسي وركزوا فقط حاليًا على إنقاذ هذا العقل المسلم وأما ما دون ذلك فكله سوف يذهب هباء منثورًا.

[مع الأسف لم نتأثر وأنا أقول] إنه ربما منذ تلك الفترة كان يجب أن يكون قرارنا حاسمًا لو اقتنعنا بوجهة نظره وأنا أصبحت أميل إلى أن مشكلتنا في العالم الإسلامي التي لا يمكن بدون تجاوز هذه المشكلة لا يمكن أن نصل إلى الحل في هذا العقل بدون نقل هذا العقل نقله نوعية من حالة سبات وإيمان بالخرافة واللامعقول والإيمان بالمتناقضات والتسليم المطلق لما قاله بعض أسلافنا على أنها حقيقة مطلقة بدون تغيير هذا الواقع نحن لا ننجح لا في السياسة ولا في الفكر هذا ما أعتقده أنا، والأمر المؤلم أنه ربما هذه القضية الفكرية لا أحد قادر أن يقوم بها سوى مجموعتنا ومن أمثالنا في سورية في الوقت الذي به السياسة يستطيع أن يقوم بها الكثيرون.

نفس المصير الذي واجهناه في إعلان دمشق وأنا أتفق مع هذا الرأي 100% ولكن بتقديري أنه ربما تجربتنا هذه لو أصابنا ما أصاب شباب داريا كان يمكن أن تنجح لأنه أصبح يوجد تأكيد على هذه المدرسة وطروحاتها وإمكانية نجاح طروحاتها وتأثيرها في الناس، ولكن نحن في تلك الفترة اتخذنا قرارًا أن نذهب باتجاه إعلان دمشق والحراك الديمقراطي خصوصًا بعد تطور الأحداث واستشهاد رئيس الوزراء اللبناني المرحوم الشهيد رفيق الحريري.

الجو المحتقن والناس أصبحوا يهتمون بالسياسة والناس أصبحوا يكون لهم مواقف يعني أحد أهم النقاط التي كان يعتمد النظام عليها ألا يكون للرأي العام الشعبي أي موقف بمعنى " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد" وبنفس الوقت ممنوع الاقتراب من الهم السياسي والشأن العام، فعندما وقعت أحداث العراق وسقط نظام صدام حسين ومع وجود قنوات مثل الجزيرة بالتأكيد اهتمام الناس أصبح متسمِّر على التلفزيون هذا أمر طبيعي في حياة الإنسان، وبالتالي هذه القصة تتفاعل وإذا ما وقع حدث معين قد لا يخطر على بال سوف يفجر القصة والذي حصل أن مباراة كرة قدم بين نادي الفتوة والجهاد في مدينة القامشلي مباراة كرة قدم عادية والذي حصل أنه حصلت أخطاء تنظيمية في مسألة توزيع المتفرجين بين منطقة وأخرى لأنه كان جمهور الفتوة من أكبر جماهير سورية ويزحف مع فريقه إلى أي مكان والملعب كان صغيرًا و أن تعطي السدة الرئيسية لأهل البلد هذا أمر طبيعي، ولكن ما تبقى من الملعب لا يكفي للجمهور القادم وهنا بدأت المشاكل وترافقت مع تفاعلات ومن بينها وأنا لم أكن أحضر المباراة، ولكن حاولنا أن نفهم ما جرى يعني على أي أساس رُفعت صور أوجلان وعلى أي أساس رُفعت صور للبرزاني وعلى أي أساس رُفعت صور بالمقابل لصدام حسين يعني كانت توجد تساؤلات ليس عندي إجابات حولها وبالتالي أنا سوف أذهب إلى النتيجة، وكانت النتيجة أنه تحولت مباراة كرة القدم إلى معركة عسكرية وأصبح هناك إطلاق نار وتمت محاصرة الشرطة في ذلك الوقت بين الشرطة وأجهزة الأمن وبين المتظاهرين الذين تحولوا يعني من متفرجي كرة قدم إلى ناشطين سياسيين. وأنا أعتقد أن هذه الفترة بالذات تستطيع أن تحصل على معلومات قيمة جدًا منها من الأخ العميد عبد الباسط الويس لأنه كان هو مدير المنطقة وعندما يأتيك الشاهد الذي يعرف أدق التفاصيل في هذه القصة وهو الآن الأمين العام للائتلاف. 

 خلاصة القول: إنه أصبح يوجد حراك وأصبحت توجد مجموعة من الناشطين الذين كانوا من قبل موجودين وخصوصًا الدور الكبير للأمانة الذي لعبته لجان إحياء المجتمع المدني، ونحن كنا جزءًا من لجان إحياء المجتمع المدني، ولكن نحن لم نكن في الصف الأول وبالتالي ليس نحن من قام بهذا الدور يعني للأمانة يشاد بالدور الكبير الذي لعبه الأستاذ علي العبد الله.