الواقع السوري في فترة حكم حافظ الأسد وأهم الأحداث الإقليمية
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:16:09:19
[في] حرب عام 1973 كانت التغطية الإعلامية التي رافقتها والتي برزت فيها انتصارات وهمية تركت انطباعًا لدى الناس أننا استعدنا القنيطرة واستعدنا الأراضي المحتلة، وهي أشياء كلها وهمية والقنيطرة منذ عام 1973 -المحررة- حتى هذا اليوم وأكوام البيوت المهدمة ما زالت موجودة حتى هذا التاريخ، ولم تتحرر أبدًا بالمعنى العسكري، وإنما الذي رافقها بعد حرب 1973 هو الاستنزاف، والاستنزاف امتد حوالي عام حتى عام 1974، واستنزفت قدراتنا وتركت سورية في ضائقة اقتصادية تركت آثارها السلبية على المجتمع السوري، وأصبحت بحاجة إلى الخبز وبحاجة إلى كل شيء تحت شعار أننا انتصرنا، وهي كلها انتصارات وهمية، والحقيقة أنه في عام 1975 أنا شخصيًا امتهنت وفتحت محل خطاط ورسام في مدينة البوكمال، وكنت الوحيد الذي يعمل في هذا المجال، والبوكمال كلها تعرفني، وفي عام 1976 ذهبت إلى الخدمة الإجبارية (الخدمة العسكرية) وكان في وقتها هناك مشاكل بسبب نهر الفرات بين سورية والعراق، والعراق اتهمت سورية أنها قطعت المياه عن العراق وكادت أن تنشب حرب بينهما، وأنا كنت من بين العساكر الذين ذهبوا الى شمال شرق سورية، وتمركزنا [لمدة] 11 شهرًا في مدينة الحسكة إلى أن انفرجت الأمور، وفي هذه الأثناء [كانت] الحرب اللبنانية في قوتها ومستعرة فتم سحبنا من الحسكة كجيش سوري إلى لبنان والمنطقة التي نزلنا فيها هي منطقة البقاع منطقة شتورة وسهل البقاع على مرحلتين، وبما أنني كنت خطاطًا ورسامًا تم فرزي إلى العمليات فرع قسم العمليات؛ حيث يُعنى بالرسم والخرائط وتحديد مناطق التحشد للجيش السوري، فرزت لبنان على ثلاثة محاور: محور الجنوب إلى قلعة الشقيف على الحدود الإسرائيلية، ولم تكن هناك دولة سعد حداد، وفي عام 1976 لم تكن موجودة هذه الكيانات، وهي أصبحت موجودة فيما بعد إلى قلعة شقيف وإلى منطقة بيروت في الوسط وإلى منطقة الشمال (طرابلس) حيث كنا نحشد ونضع على الخارطة أين تتواجد قواتنا السورية والعتاد العسكري والمؤن.
حتى عام 1979 تم تسريحي من العسكرية، وعدت إلى البوكمال وفي هذه الفترة تابعت عملي كخطاط، ولكن في سورية الأحداث لم تنته، ووقعت أحداث مدرسة المدفعية في حلب وحصلت أحداث عام 1980 (أحداث الإخوان المسلمين) وبدأت القبضة الحديدية لحافظ الأسد تفرض نفسها وكل ملتح وكل من يتواجد في المسجد تم إلصاق التهمة به أنه ضد الحكومة وامتلأت السجون بالمعتقلين جراء أحداث سورية، وحدثت بعدها مجزرة حماة، وهذا حدث مفصلي في تاريخ سورية وترك آثارًا مزلزلة في وجدان السوريين هذا عدا عن المجازر الرهيبة في سجن تدمر الصحراوي وآلاف المعتقلين الذين تتم إبادتهم على يد أجهزة حافظ الأسد، وهذه الأمور لا يمكن للتاريخ أن يطمسها والناس تأثروا بهذا الشيء لأنهم فقدوا أولادهم في حرب 73 وحرب الاستنزاف، ولم يعرفوا لهم مكانًا، ومن يدخل إلى السجون والمعتقلات من المستحيل أن تعرف مصيره هل هو حي أم إنه ميت أم تمت تصفيته أو ماذا جرى له؟ إلى يومنا هذا والسجون تغص بآلاف المعتقلين وأهلهم لا يعلمون وهكذا استمررنا تحت وقع هذا الحال.
البوكمال على الخارطة السورية مميزة ولها وضع خاص ووجود البوكمال على الحدود العراقية السورية أكسبها ميزة منفردة عن باقي المناطق السورية الداخلية، والبوكمال فيها أكثر المطاردين من الحزب اليميني الذين لجؤوا إلى العراق، والعراق ونظام العراق والحكم في العراق والحكم في سورية متناقضين، وكل ما يمت بصلة لأحد الحزبين السوري الموالي لحافظ الأسد وزبانيته في سورية مطارد في العراق والعكس صحيح، والمتواجدون في العراق أثناء إلقاء القبض عليهم في سورية تُلصق بهم تهم ويعتقلون مباشرة بدون حساب وعقاب، وهذه أيضًا ميزة عانى منها الناس حتى وصلنا إلى يوم من الأيام، وأنا أتذكر أنك لا تستطيع فتح الراديو لأنه يتم اتهامك بجريمة يعني كانت توجد طائفة من المخبرين والمندسين الذين تغلغلوا في كل الصفوف، ويأتونهم بالأخبار وكما ذكرت هو نظام فاسد وأعوانه كثيرون، وبمجرد أن تفتح الراديو على العراق فأنت أصبحت مواليًا للعراق، وهي إذاعة متناثرة في الهواء فما بالك بالمنتسب الذي يؤمن بقضية والذي يريد أن يصلح أحوال البلد فهذا جرم من نوع آخر.
إذًا في الثمانينات عانت سورية هذه المعاناة، [وفي] عام 1990 وهنا أثناء غزو العراق وعندما دخلت العراق إلى الكويت حدثت أحداث مفصلية.
في عام 1982 تم إعادة سوقي إلى خدمة الاحتياط (الخدمة العسكرية) وكانت سورية متبدلة في ذلك الوقت والنظام برزت أنيابه والمعتقلون... وشكلوا الفصائل الثورية المسلحة الكتائب المسلحة وجماعة سرايا الدفاع هي حكومة لوحدها، جماعة رفعت الأسد، وجماعة سرايا الصراع وجميل الأسد وجماعة علي دوبا، وإذا بسورية تحكمها كيانات كلها من الطائفة العلوية وكلها تعمل لهدف واحد ضد السنة وهذا قولًا واحدًا ولا يقبل التجزئة.
إذًا عشنا في تلك الفترة والمرحلة التي ذهب فيها رفعت الأسد إلى فرنسا هربًا من بطش أخيه ولم يغير من المعادلة شيئًا، والنظام بقي جاثمًا على رقاب السوريين وأكثر ما هنالك تبدلت الطرابيش، ومن هو أسوأ من رفعت الأسد، وكانت توجد أربعة مراكز أمنية فأصبحت 17 مركزًا أمنيًا، وتغلغل الأمن في كل مفاصل الحياة، ولم تعد هناك حاجة إلى وجود تيارات أو كيانات، مثل: سرايا الدفاع أو سرايا الصراع والوحدات الخاصة.
برزت المسألة السورية على وجهها الحقيقي في نهاية الثمانينات، وفي نهاية الثمانينات العالم كله رأى معاناة السوريين وكيف وصل بهم الحال بعد عشرة سنوات من استلام حافظ الأسد، وتدهورت أحوال البلد إلى حيث لا يمكن أن يقبلها عربي، وكثرت العداوات وأصبح يوالي جماعة لا يمتون [بصلة]... يعني كوريا والأنظمة والاتحاد السوفيتي، وأحضر إلينا غرباء يعني هم أنفسهم يعانون، وعشنا تحت هذه الظروف. وأنا كمواطن سوري ما أتذكره وأنا كنت بعيدًا عن السياسة وأنا مواطن عامل ولا يوجد عندي أي انتماء سياسي، ولكن المعاناة ظاهرة في الشارع وعلى الجدران وعلى وجوه الناس وفي حياة البشر وفي مقدرتهم الشرائية [التي] تتراجع اقتصاديًا والمعاناة، والموظف في عهد حافظ الأسد إذا لم يعمل في وظيفتين بالإضافة إلى وظيفته فإنه لا يستطيع تأمين طعام عائلته، والأجور متدنية والوظائف معدومة وطلاب الجامعة متكدسون والخريجون بمئات الألوف وليس لهم وظائف، والوظائف كلها محجوزة للموالين للبعث يعني شخص فلاح غير مثقف أمي وفقط يجب أن يكون بعثيًا أو عضوًا عاملًا فإنهم يعزلون صاحب الشهادة الجامعية على طرف ويضعونه مكانه. وهذا الشيء عاشه السوريون ونحن عشناه جميعًا، وهذه مرارة من إحدى المرارات الكثيرة في هذا النظام الفاجر الذي عشناه وعايشناه.
الحرب العراقية الإيرانية بدأت عام 1980 وطبيعة شعبنا العربي لا نقول: السوري مناطقيًا وإنما الشعب العربي كله مع العراق قلبًا وقالبًا ضد إيران المجوسية المعتدية الفارسية، وعندما وقعت الحرب العراقية الإيرانية، العرب كلهم وقفوا مع العراق بكل ما يملكون بالقول أو الإعلام أو الفعل أو المقاومة وبكل أنواع الدعم وقفنا مع العراق، ولا يخفى عليكم أن البوكمال قسم كبير منها امتداد لعشائر عراقية، وقلّما تجد في البوكمال منزلًا ليس [لصاحبه] أخت أو أخ أو ابن عم أو قريب موجود في العراق والعكس صحيح، وأكبر جالية من أهل البوكمال تعمل في الخليج تعمل في الكويت والسعودية، وإذًا الناس هنا أصبحوا منقسمين أثناء دخول العراق إلى الكويت عام 1990 وتم إخراج الكويتيين كلهم لأنهم كانوا يحملون الجنسية الكويتية، وبدأ الناس يعودون إلى منازلهم وكان نصيب البوكمال أنها امتلأت بالكويتيين الذين لهم أبناء، ولكن هذا لا يمنع أن الجميع يوالي العراق وأنه حتى الأنظمة الخليجية فاسدة وأن أهلنا في البوكمال والسوريين بشكل عام كلهم موالون للعراق بشكل أو بآخر يعني هكذا بالفطرة.
الغزو العراقي للكويت دام سبعة شهور وبدأ في شهر آب/ أغسطس وانتهى في شهر شباط/ فبراير عام 1991 وفي هذه الفترة حدثت الهجمة الأمريكية وضرب العراق، وعندما استهدفوا العراق هنا حدثت الزلزلة الكبرى الطامة الكبرى، وكوننا من أهل البوكمال على الحدود العراقية فساحة المعركة أمامنا، ولم نعد في الليل نرى السماء بل نرى شرار النار والقذائف المتطايرة يمينًا وشمالًا المتفجرة والصواريخ، وأصبح ليل البوكمال نهارًا لأن القوة العسكرية الضاربة للعراق أغلبها موجودة في المنطقة الغربية مكدسة على الحدود السورية العراقية، وهنا انتهت الحرب العراقية الإيرانية وأصبح اتجاه الحكومة العراقية... وتعد العدة لتحرير فلسطين، وكانت المناطق الصحراوية هي أنسب الأماكن القريبة إلى الأردن والحدود السورية القريبة من أجل الدخول إلى فلسطين عن طريق سورية والأردن.
هنا أهل البوكمال جميعهم وقفوا مع العراق فثارت ثورة، والمخابرات السورية التابعة لحافظ الأسد لم تتدخل أمام هذا الزخم الكبير للمواطنين، واكتفت بالمراقبة، ولكن بعد امتصاص الصدمة بدأت المخابرات تعرف من هم الذين قاموا بالمظاهرات المؤيدة للعراق و[تقوم بـ] اعتقالهم حتى امتلأت السجون بما يسمى "معتقلو الـ 11 شهر" لأنها اعتقلتهم 11 شهرًا بتعذيب وقسوة منقطعة النظير، وهذا ما يحضرني وأغلب أصدقائنا وأخوتنا وأبنائنا شاركوا في هذه الأحداث التاريخية العفوية، فمنهم من دفع الثمن ومنهم من مات -رحمهم الله ومنهم من يعاني آثار النكسة.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2022/07/23
الموضوع الرئیس
التعامل الأمني والعسكري لنظام الأسدأوضاع ما قبل الثورةكود الشهادة
SMI/OH/139-02/
أجرى المقابلة
همام زعزوع
مكان المقابلة
الباب
التصنيف
مدني
المجال الزمني
1973 - 1991
updatedAt
2024/08/12
المنطقة الجغرافية
عموم سورية-عموم سوريةمحافظة دير الزور-مدينة البوكمالشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
حزب البعث العربي الاشتراكي
حزب البعث العراقي
القيادة القطرية لحزب البعث
سرايا الصراع
سرايا الدفاع