توريث السلطة وربيع دمشق والقبضة الأمنية اللاحقة
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:15:05:11
التصحر السياسي الذي كان موجودًا في سورية هو ليس وليد اللحظة وليس وليد لحظة قيام الثورة، هو عبارة عن تراكم عدة سنوات، وبداية التصحر السياسي كان منذ عام 1963 عندما حصلت ثورة الثامن من آذار/ مارس التي قام بها حزب البعث وأكملها حافظ الأسد فيما بعد في "الحركة التصحيحية"، وكانت طبعًا ممنوعة الحريات وممنوع الحراك السياسي، وتقيدت الأحزاب بحزب البعث بالجبهة الوطنية التقدمية التي شاركت لاحقًا حزب البعث في استلام السلطة في سورية واستلام الحراك السياسي في سورية، وأصبح ممنوعًا عن غيرها نهائيًا، وجاءت فترة الإخوان المسلمين التي استطاع فيها النظام أن يمسك السوريين بقبضة حديدية، وكانت هي حجة لقيامه بأي اعتقال أو أي عملية إعدام لأي شخص معارض له بمجرد أن يتهمه بأنه من الإخوان المسلمين أو يتعامل معهم.
فترة نهاية حكم حافظ الأسد واستلام بشار الأسد طبعًا خلال خطاب بشار الأسد الناس استبشرت خيرًا في تلك الفترة أنه يمكن أن يحصل عندنا هامش من الحريات، وخاصة أنه ذكر في خطابه في عام 2000 أنه مع حرية المواطنين والديمقراطية، وهو كان سابقًا يقوم بزيارات ميدانية للأهالي في حلب ودمشق على الأسواق والجامعات، والناس أصبح لديها نوعًا ما؛ استبشروا خيرًا في موضوع الحريات، وفعلًا في تلك الفترة أصبح يوجد نشاط سياسي من خلال المعارضين في سورية ومجموعة إعلان دمشق التي أعلنوا عنها وهي كانت نقلة نوعية في الحياة السياسية السورية. وخلال سنة أصبحت الأصوات تتكلم وأصبح يتم افتتاح منتديات في دمشق، منتديات ثقافية سياسية في دمشق دون اعتراض السلطة لهم، وطبعًا هذا الشيء من غير المألوف في سورية، وأصبح يتم عقد لقاءات ثقافية وسياسية، وطبعًا كانت المطالبات بإنهاء الحكم القمعي لحافظ الأسد وسلطة عائلة الأسد التي كانت تسيطر على سورية، والانتقال إلى حياة ديمقراطية سياسية للسوريين تضمن حقوق السوريين جميعًا (حقوق المواطنين) وأن يتم تطبيق هذا الموضوع بشكل عملي وليس مجرد أنه فقط موجود في الدستور والقانون السوري، وطبعًا كل القوانين وحتى الدكتاتوريين يذكرون موضوع الحريات وحرية الأشخاص وحرية الصحافة، ولكن بشكل عملي لم يكن هذا الشيء مُطبَّقًا لأن الأمن كان يسيطر على الحياة في سورية كاملة.
خلال هذه السنة كان يوجد نوعًا ما نقلة بسيطة، وفعلًا أخذ الناس القليل من الحرية، وأصبحوا يجرون لقاءات في دمشق، وأصبحوا يتحدثون بما يريدون ولا يتم اعتقالهم، ومن الشخصيات التي يمكن ذكرها برهان غليون ورياض سيف وسمير نشار وعبد الرزاق عيد الذين لاحقًا شكلوا مجموعة إعلان دمشق، وكان لها مطالب معينة، وجميع السوريين يعرفونها وطبعًا هي مطالب لأجل الحرية السياسية وتأمين حياة للسوريين بشكل جيد.
لم تستمر هذه الفترة طويلًا، أقصد "ربيع دمشق"، حتى انقلب إلى شتاء عاصف وأصبح يتم ملاحقتهم والتضييق عليهم واعتقال بعضهم بحجج، وطبعًا عن طريق القيادة القطرية لحزب البعث التي شاركت في دور كبير في هذا المجال، وأصبحت تصنف الناس أنهم معادين للدولة وأنهم عملاء للخارج وعملاء للصهيونية، وأصبح يتم ملاحقتهم والكثير منهم خرجوا من سورية في تلك الفترة. والنقطة الثانية التي تمت ملاحقة السوريين فيها هي باتجاه الموضوع الديني، حصلت الكثير من الملاحقات بتهم معينة أنه أنت سلفي وأنت وهابي وتيارك الديني غير مقبول في الدولة.
موضوع المفارز الأمنية؛ نحن في مدينة الباب لم يكن عندنا مفارز أمنية بحكم وجود حكمت الشهابي على رأس الدولة في سورية، وكانوا يعطون لـ [مدينة] الباب نوعًا ما مراعاة بهذا الخصوص، ولم يكن يوجد مراكز أمنية للدولة وبعد عام 2001 بدأ يظهر هذا الشيء أكثر وأصبح يوجد مفرزة للأمن العسكري ومفرزة لاحقة للأمن السياسي ومفرزة لاحقة للأمن الجوي، وطبعًا كلها بهدف خلخلة الشعب على مستوى الريف والمدينة ومستوى القرية الصغيرة حتى تستطيع جماعة الاستخبارات أن تجمع كل المعلومات والتحركات التي يمكن أن يقوم بها الشعب، وفعلًا حصل ذلك وضيقوا على الشعب أكثر، وأنا لاحقًا بعد أن تركت العمل في "الشيخ نجار" اتجهت باتجاه العمل الخاص، وأصبحت أرى المضايقات التي تجري وأصبحوا يتدخلون حتى في عملك وكل شيء وأنت يجب أن ترفع لهم تقارير من المختار وغيره ويجب أن يتم رفع تقارير دائمة عن الأحزاب الأخرى التي كان لها وجود في الباب، ومعظمها أصبح في الجبهة الوطنية التقدمية، ورغم ذلك دائمًا ملاحقون من الأمن السياسي، ويجب أن يؤدوا الطاعة العمياء، وبعض الأشخاص الذين لم يدخلوا في الجبهة ومنتسبون إلى أحزاب طبعًا تتم مضايقتهم واستدعاؤهم إلى أفرع الأمن بشكل دائم ومستمر، يعني بشكل دوري ودائمًا يتم استدعاؤهم، وطبعًا يضايقونهم أو يقولون لهم عليكم مراجعة فرع دمشق؛ فرع فلسطين ... [إلخ]، حتى يعيش الشعب دائمًا تحت الخوف والقبضة الأمنية الشديدة، وهكذا كان الوضع في مدينة الباب، طبعًا هذا الأمر استمر حتى عام 2003- 2004 تقريبًا، ولاحقًا عندما حصلت أحداث لبنان ومعركة تموز/ يوليو في لبنان ونزح إلينا اللبنانيون أيضًا حصلت نقلات أخرى في هذه الفترة.
في هذه الفترة نزح الكثير من لبنان إلينا أثناء حرب تموز/ يوليو ونحن على مستوى مدينة الباب احتضنوا كل النازحين وجلسوا في البيوت مجانًا بدون آجار، وفتحنا المدارس وبدأ الناس يقدمون لهم الطعام والشراب وكل ما يلزم لحياة كريمة يعيشونها، وطبعًا كان معظم السوريين مؤيدين لحسن نصر الله معظم الشعب السوري، يعني فقط أشخاص قلائل الذين يعرفون مشروع إيران ومشروع حسن نصر الله التوسعي الذي يحاولون فيه الهيمنة على المنطقة وقليلًا ما تجد من يعارض حسن نصر الله، وحتى أصبحت صور حسن نصر الله ترفع في كل مكان، وحتى في الحفلات والأعراس الشعبية يذكرون اسم حسن نصر الله، والناس الذين ينبهون منه لا يُسمع صوتهم مطلقًا إلا من النادر جدًا على مستوى العائلة الواحدة وأتذكر أنهم أيضًا كانوا يضعون صورًا ثلاثية لحافظ الأسد وحسن نصر الله وجمال عبد الناصر.
بعدها بشكل عام على مستوى سورية أصبح يوجد ملاحقات كثيرة بحكم جماعات دينية، حتى في فترة ظهر محمود قول أغاسي في مدينة حلب بحجة تحت مسمى الجهاد، وأنه نحن يجب أن ندافع، وفي تلك الفترة كانت الحرب على العراق قائمة وأنه يجب أن ندافع عن العراق، واستطاع محمود قول أغاسي أن يجمع حوله هالة كبيرة جدًا من الشعب السوري في مدينة حلب، واستطاع تسييرهم كما يريد، والناس كانت تسافر من الأرياف لحضور الخطب والدروس لمحمود قول أغاسي، وسيطر على معظم عقول الشباب في تلك المرحلة، والحقيقة شعبيته كانت تزداد بشكل كبير جدًا في محافظة حلب، وطبعًا تحت عين وسيطرة الأمن بكل أفرعه، وطبعًا هذا الشيء ومن يفكر بمنطقية يقول إن هذا الكلام غير معقول ويوجد شيء من ورائه، يعني يوجد شيء غير صحيح في النهاية، كيف أن عناصر الأمن والأفرع الأمنية يعني تساؤلات كثيرة كيف يتركون مثل هذا الشخص يقوم بمثل هذه النشاطات؟ ودائمًا يرفع أعلام الجهاد والسيوف ويقوم بمعسكرات تدريب، وطبعًا الشعب السوري بشكل عام والتصحر السياسي الذي كان موجودًا كان لدينا جهل في الحياة السياسية، ودائمًا كانت تؤخذ الأمور بشكل عاطفي، وأي شخص لو يهدر القليل من الوقت في التفكير بهذه الشخصيات يمكن أن يكتشف لوحده حقيقة هذه الشخصيات ولصالح من تعمل.
الذي رأيناه أن النظام خلال تلك الفترة أعطى حرية سياسية واستطاع في مرحلة معينة أن يجد أمامه شريحة من المعارضة السياسية، واستطاع أن يسكتها بطريقة معينة إما بطريقة القبض عليهم ورميهم في المعتقلات أو بطريقة أن يغادروا البلاد هربًا من النظام، والشريحة الثانية التي هي شريحة عامة الشعب استطاع أن يسيطر عليها عن طريق محمود قول أغاسي وأمثاله من المشايخ ورجال الدين، حيث كان كل رجل دين ظاهريًا له توجه معين، ولكن في الحقيقة هم في النهاية يخدمون سلطة النظام ويحاولون السيطرة على الشعب بهذه الطريقة، فجاءت أحداث العراق، والذين جمعهم محمود قول أغاسي وغيره أقنعهم بفكرة الجهاد في العراق، فتوجهوا باتجاه العراق وأصبحوا يجاهدون هناك ويقاومون الاحتلال الأمريكي والروايات التي رواها لنا الأشخاص الذين ذهبوا إلى العراق وجاؤوا، الذي ذهب ومات هناك مات رحمه الله تخلصت منه الدولة السورية، ومن عاد أصبح تحت عين الدولة السورية عاد إلى السجون والمعتقلات أو تركوه حرًا طليقًا، طبعًا إذا لم يكن لديه أي انتماء سياسي آخر، والحمية هي التي أخذته، وكان يتم مراقبته والتضييق عليه، والأشياء التي رواها لنا الناس الذين ذهبوا إلى العراق وعادوا يعني أرسلوهم إلى العراق حتى يُقتَلوا فقط، يعني أشياء الناس رأتها بعينها لا يوجد أي تنظيم لمعارك ولا يوجد أي شيء، وكانوا يرسلون 100 أو 200 شخص باتجاه معين حتى يقاتلوا من هذا الاتجاه، وحتى إنه ذكرت روايات أنهم هم الذين قتلوهم أنا سمعتها من أشخاص ذهبوا إلى العراق ومنهم مات [فيما بعد] ومنهم بقي على قيد الحياة، فتخلصت الدولة من المعارضة الشعبية العادية، والمعارضة السياسية بهاتين الطريقتين، ناهيك عن زيادة سيطرة حزب البعث على كل قرارات الدولة ومرافقها ومؤسساتها يعني أصبح الشيء ظاهرًا بشكل كبير جدًا، قبل 2011 ظهر هذا الشيء بشكل كبير جدًا، حتى الموظف لا يتم توظيفه إلا إذا كان حزب البعث راضيًا عنه أو يكون متنسبًا إلى حزب البعث.
أبو القعقاع محمود قول أغاسي الملقب أبو القعقاع هذا في حلب، والخزنوي (معشوق الخزنوي) كان في مناطق ثانية، ونفس الأمر وأنا ذكرت أن الدولة السورية لعبت لعبة كبيرة حيث جعلت كل شخص يقتنع بجماعة معينة وفرتها له حتى يلحقها، ومن يقتنع بالجهاد أرسلته إلى محمود قول أغاسي والمقتنع بالصوفية فإنه يوجد مشايخ طرق ومشايخ صوفية سمحت لهم الدولة بممارسة طقوسهم كلها، والخزنوي نفس الأمر وأتذكر أنه يوجد أشخاص من [مدينة] الباب يذهبون إلى الخزنوي، وحتى بعدها أبناء الشيخ الخزنوي أحدهم كان يتم اتهامه أنه عميل للدولة، والآخر كان معارضًا له وفي النهاية مات، وأعتقد تمت تصفيته، وحتى محمود قول أغاسي في النهاية قُتِل في حلب في "السكري" أو منطقة أخرى.
أحد الأشياء أنا كنت في موسم العمرة في 2008 أو عام 2009، وكنا أثناء تأدية مناسك العمرة جالسين أنا ووالدتي في مكان معين، وإذ يوجد امرأة ومن خلال الحديث مع والدتي اكتشفنا أنها والدة محمود قول أغاسي، فطبعًا والدتي لا تعرف، ووالدتي أمية ولكنها سمعت منها أنهم قتلوا ابنها وابنها كان الشيخ الملقب أبو القعقاع في حلب، وجاءت والدتي وذكرت لي هذا الشيء وسألتني من هي هذه الامرأة التي قتلوا ابنها في حلب، وأنا جاوبتها بطريقة معينة بحيث لا يوجد لديها تعمق في الموضوع حتى لا تعرف أكثر من ذلك، والخزنوي نفس الأمر وحتى يوجد أشخاص آخرون في محافظات أخرى، وأنا كان عندي أصدقاء من حمص، وبعد 2006 كنت أسافر إلى الشام (دمشق) بحكم عملي والتجارة فأذهب إلى حمص وعندي أصدقاء أذهب لزيارتهم، وكانت في تلك الفترة بداية انتشار المذهب الشيعي عندنا.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2021/03/08
الموضوع الرئیس
النشاط السياسي قبل الثورة السوريةسياسات النظام الأمنيةكود الشهادة
SMI/OH/77-06 /
أجرى المقابلة
بدر طالب
مكان المقابلة
الباب
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2000-2009
updatedAt
2024/04/02
المنطقة الجغرافية
عموم سورية-عموم سوريةمحافظة حلب-مدينة حلبمحافظة حلب-مدينة البابشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي
حزب البعث العربي الاشتراكي
الجبهة الوطنية التقدمية