تطوّر الحراك الشعبي في درعا بعد فشل "ألمفاوضات" مع نظام الأسد
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:27:17:02
الجو العام للمتظاهرين كان يغلب عليه طابع الاندفاع نحو الواقع الجديد الذي نعيشه، الحر والكريم
وتضامن بين الناس غير مسبوق، ومحاولات التنظيم بدأت تتطور بشكل طبيعي وملحوظ.
مثلاً الاعتصام في الجامع العمري، لا يوجد أحد في درعا المدينة وخارجها إلا وشارك فيه بشيء ما،
الذي شارك لوجستيًا والذي شارك في الحصر(السجاد)، والشباب كانوا مسطحين والشباب الذين
استُشهدوا في العمري في الاقتحام كانوا إما نائمين على الأرض أو على الحصيرة، والأغطية والشيء
اللوجستي الذي جاء كانوا قد آثروا أن يعطوها للمرضى أو الجرحى والقائمين على الاعتصام، ينامون
على الأرض على الباطون (الإسمنت) وسعيدون ومستغرقون في النوم ولا أحلى، ويمكن أحلى يوم في
حياته هذا النوم الذي ناموه في العمري، وهذه حتماً مساهمات وربما لا أحد إلا وله بصمة في هذا
الموضوع، الذي قدم حصر وحرامات أو الأكل والشرب والمياه والعصائر و السيرومات وأدوية
الالتهاب، وصار الموضوع يتطور إلى أسطوانات أوكسجين وأجهزة ضغط وسكري الكهربائية وهكذا،
والناس الذين خارج المدينة أيضاً إما مشاركة في تشييع أو مشاركة في التظاهر والاعتصام أو مشاركة
في العزاء نفسه وأخذ الخاطر (تعزية) من أهالي الشهداء، وكان كل وفد يأتي معه شخص مفوه وخطيب
يستلم الميكرفون ويُعبر بخطابه عن كل تلك المعاني، لأهل الميت أحسن الله عزاءكم وعظم أجركم
وللمتظاهرين الله يعطيكم العافية وشكراً جزيلاً، وللمطالبين بالحرية نحن معكم ونحن جزء من هذا
الحراك، وأنا أعرف أطباء وممرضين جاؤوا من مناطق ريفية شاركوا في هذا الاعتصام.
أنا سمعت أنه قد جاء ناس أنا لم أرَ حقيقة، وأنا رحت(ذهبت) أكثر من مرة كطبيب وأكثر من مرة
كمتظاهر ومعتصم مع المعتصمين، ورأيت أناسًا قالوا: بأن هناك أناس من أهل المحافظة ، ولكن جاء
أناس أنا سمعت ذلك، ومرة من المرات سمعت بأنَّ هناك ضابط أمن سيء كثيرًا، وأسمه الآن بالنسبة
لدرعا منذر (نذير) شؤم وسوء، وتصرفاته تصرفات إجرام ودوره في درعا قذر جداً على الرغم من
أنَّه يقال له: الدكتور، ولي قصص معه، وهو وفيق الناصر، ويقال: - أنا سمعتها منه من وفيق الناصر
نفسه - أنَّه جاء مع المتظاهرين إلى محيط الجامع العمري ووقف معهم وهتف معهم، وحسب ما يقول
أكل سندويشة من السندويشات التي وُزِّعت على الشباب الموجودين هناك، وهو لم يعرض هذا الكلام
من باب الفخر أو الثناء على المتظاهرين أنهم يُقدموا أنفسهم، لا هو قال، وأنا في أحد المرات التي
اعتُقلت بها نصحني بالانفكاك عن هذا الحراك وأنَّه مدفوع، وهناك جهات توجهه داخل سورية
وخارجها، وكان يقول: أنا كنت بين المتظاهرين وأكلت سندويشة ورأيت الجهات التي تتبرع بالمال
وبالطعام للمتظاهرين لتحثهم على مزيد من التظاهر، وطبعًا هو كاذب ليس كذلك وهو يمكن أكل
سندويشة، جعلها الله سمًّا حارقًا لبدنه، ولكن السندويشة من أين؟ من أصحاب المطاعم ومن الناس التي
يُمكن أحدهم أن يخرج من جيبه 500 ليرة، ويقول لأحد من الشباب: روح (اذهب) واشتري 50
سندويشة ووزعهم على الشباب لأنَّ هناك شباب واقفون على عظم ولحم قدميهم بقي لهم أيام يداووا
الجرحى والمرضى، ونحن مثل باقي السوريين شعب يُحب الكرم ومن غير المعقول يأتي إليه ضيف
ولا يُعطيه الحد الأدنى، وكان فعلاً يتوزع سندويشة وعلبة مياه وكأس عصير، ولكن هذا المجرم بدل
أن يقول: أنَّ الناس محترمة والناس تتظاهر سلمياً وانظروا كله سلمي لا، قال: هذه الأموال تُدفع من
الخارج لحث مزيد من الناس على التظاهر.
وإذن هذا التفاوض كان مشحونًا بالكذب لأنَّه لم يتم تطبيق أي شيء من مطالب المتظاهرين ولا الوعد
بشيء محدد أنَّه مثلاً: يا شباب المطالب لديكم 20 مطلبًا مثلاً تعالوا، 7 تتنفذ يوم الخميس و 7 تتطبق
خلال الشهر الأول، ونحن نعرف أن بعض المطالب تحتاج وقتًا، ونحن نتعهد من جانبنا نبقى نتظاهر
بشكل سلمي في الساحات التي لا تعمل أي إعاقات حتى تنفيذ المطالب، هذا الخطاب لم يكن موجوداً،
ولا أعلم ربما النظام هل يعلم بقناعته أنَّه إذا سلك هذا الطريق يمكن يُؤدي إلى حل في سورية أم لا،
ليس لديه أو عقليته الأمنية تستبعد مثل هذه التوقعات أبداً، وأنا برأيي هو يعلم جيداً كيف يتعامل مع هذا
الحراك؟ ولكن لديه إرادة صلبة لعدم تقديم أي تنازلات، لأنَّه يعرف جيداً أنَّ المسلفه (دين) للشعب
السوري كبير جداً، والموضوع ليس متعلق بمطلب واحد أو ثاني، فإذا طبق الأول سيعمل الثاني والثاني
سيجر الثالث لسبب جوهري، أن هذه المطالب كلها مشروعة ومحروم منها الشعب السوري، وهو من
سلبها من الشعب السوري، وبالتالي مطلوب منه أن يردها جملة واحدة، وهذا ما لا يريده النظام وهذه
العقلية لم تكن مسيطرةً فقط في 2011.
وفي 2011 هنا حين تطور الحراك أكثر وأكثر كان ممكنًا للنظام أن يعمل جلسة مراجعة مرة أخرى
أنَّه تعالوا: يا جماعة لأنظم تنازلات لشعبي للشعب السوري، مقابل منع سورية من المصير البائس
باستجلاب الإيراني والروسي وتحويل الثورة إلى صراع مسلح إلى آخره، لا أبداً في 2012 كان يزداد
أكثر، وحين فُتحت المفاوضات في 2014 كان هناك فرصة أن نُوقف الخسائر ونعود إلى نقطة البداية
ونحل الموضوع بالشكل المنطقي قطعا، وفي 2016 وفي 2017 وحتى هذه اللحظة من ينظر إلى
النظام ويرى أنَّ سورية مدمرة والشعب السوري مهجّر، وحتى الذين وقفوا مع النظام، الآن يدفعوا ثمنًا
غاليًا جداً بوضعهم الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي والمستقبل الأسود لأبنائهم الذين يبحثوا عن أي
فرصة اغتراب أو هجرة وأن لا يعيشوا في هذا البلد، واللطميات والمشاعر الدينية والطلاسم التي
يعملوها الإيرانيين في أماكن تمس حياة كل السوريين، أماكن نحبها مثل الجامع الأموي وسوق الحميدية
وفي شوارع دمشق، وفي كل مكان في درعا في دير الزور نرى الإيرانيين يحتلون البلد ورغم ذلك
يخرج رأس هذا النظام بكل عنجهية وعنترية وكأنَّ ولا شيء حصل في سورية، ولا تزال عقلية النظام
التي واجه بها المتظاهرين في شهر مارس 2011 هي المسيطرة في 2022 وحتى من يراقب جيداً
يراها أكثر، وساد عند النظام أنه انتصر وحقق، والجيش العربي السوري، ولا أعتقد بأنَّ النظام لو تُرك
لوحده أنَّه مستعد أن يُغيِّر تلك القناعة شأنه في ذلك شأن أي مجرم، والمجرم الذي دخل لمكان وقتل
واحدًا أو ثانيا صار مستعدًا لأن يقتل الجميع لأنَّ نية القتل موجودة، وممارسة القتل عملها، وهو في
سبيل الاحتفاظ بمكاسبه الإجرامية مُستعد أن يقتل كل من حوله دون أن يرف له جفن.
في الحوار المحلي للمحافظة، المطالب فشلت، ولم تخرج لأي إطار تنفيذي وبقيت مجرد وعود، وعد
أمني من جهة، وقتل وقمع من جهة أخرى، وبعد ذلك امتدت المطالب لاحقاً، وسنتحدث عن الوفد الذي
طلب من القصر الجمهوري من أهل درعا بأن يلتقوا مع المجرم بشار الأسد وهنا البعض تفاءل قليلاً،
والناس رغم معرفتها بالنظام بشكل قوي جدًا، ولكن يُحاول أن يأمل نفسه عسى ولعلَّ أن تكون الأجهزة
الأمنية تعمل وحدها، وعسى ولعلَّ بشار مختلف، وعسى ولعلَّ أن يكون لا حتى مع الأجهزة الأمنية،
ولكن يُمكن رأى ما حصل على الأرض من قتل ومظاهرات وكذا، والأمور كبرت زيادة عن اللزوم،
وهو يُريد أن يُحاول الموقف احتواءً، وبدأت الناس تُنظم مطالبها مجدداً، وخرج وفد إلى دمشق، نتحدث
عنه في وقته إلَّا أنَّ بالخلاصة.
المطالب من لحظة ظهورها وبساطتها في البداية إلى تطورها وبلورتها وتأطيرها إلى كل المراحل التي
مرت بها كان مصيرها صفر، وأنه أنتم لن تأخذوا شيئًا، ولن تجدوا من الدولة إلى المواجهة والقتل
والقمع، وبالمقابل لن يكون لكم أي مطلب يتم تحقيقه أو تنفيذه، وهذا أثر في عقول الناس، أنا أقولها بكل
صراحة البعض كان يعرف بأنَّ النظام لن يُحقق شيئًا، والبعض كان يتمنى أن لا يُحقق النظام أي شيء،
لأنَّ البعض كان متخوفًا بأنَّ النظام قد يُعطي جزءًا من هذه المطالب، وليس كلها، لكن إذا أعطاها
والناس قدمت شهداء والناس تأتي تخاف أو ترجع إلى الوراء، وتقول: نحن قدمنا شهداء ويبدو أن
النظام أقصى ما عنده يُعطينا إياه هو هذا فلماذا نتعب نفسنا أكثر لنرضى؟ ولكن النظام بغبائه كان دائمًا
يُغلق على نفسه الباب، ومن قتل النظام هو النظام نفسه، ومن أوصل الأمور إلى ما آلت إليه على كل
شيء هو النظام، ولذلك مصير المطالب كلها هو الفشل، والمطالب بعد ذلك تطورت وأصبحت سياسيةً
بحتةً، ولم يعد أحد يُطالب بالمطالب الصغيرة، ولأنَّه كلما كانت المظاهرات تخرج كلما كان النظام
يُواجه المظاهرات في القتل، كلما المطالب تتعمق والشعارات تتغير، والشعارات السياسية حتى تغيرت
من حرية وسلمية و"الله سوريا حرية وبس" إلى "دم الشهداء لا ينباع" و"يا جنة افتحي أبوابك"و "اللي بيقتل شعبه خائن"ومحاسبة عاطف نجيب وفيصل كلثوم و"الشعب يريد إسقاط الفساد" و "الشعب يريد
إسقاط الأمن"والشعب يريد إسقاط كذا، هكذا حتى وصلت لإسقاط النظام، حين الشعب السوري قطع
الأمل مطلقاً من هذا النظام وإمكانية أن يُحقق أي إصلاحات، أو يُنفذ أي مطالب للسوريين عموماً.
وفي تلك الأثناء تحدثنا قليلاً عن بعض الآمال، كانت العين السورية الحورانية إن صح التعبير في تلك
النقطة كانت تعمل عملها، ولكن كانت تترقب وهي تترقب التغطية الإعلامية لما يجري في سورية،
وكان يُهمنا أنَّ دمنا لا يذهب رخيصًا، وكان لدينا هاجس بأنَّ ما جرى في حماة يجري في درعا مرة
أخرى، فنحن نُريد ما يجري في درعا صورته تصل إلى كل العالم، وكنا كلما نغرق بالعمل نرجع
نقول لبعضنا: رأيتم شيئًا على الإعلام خرج رأيتم شيئًا على "الجزيرة" و"العربية" وطبعاً كانت تُهمنا
تلك القناتين لأنهما كانتا كاسحات، وأعتقد في سورية كلها وليس فقط في درعا بشكل أكثر تحديداً، كانت
قنوات صاعدة في ذلك الوقت، وكانت تأتي بمواضيع غير مألوفة للمواطن عموماً، ويذهبون إلى زوايا
حساسة، وكان أغلب المتابعين يتابعون "الجزيرة" و"العربية" ونقول نتساءلك هل طلع (نُشر) شيء
على الإعلام؟ لا والله ما طلع، هل حدثت مظاهرات في مكان آخر؟، لا والله ما في شيء (لا يوجد)
ممكن الجمعة، ولكن الجمعة كل شيء حصل الآن ولا إشارة، وكنا نترقب أولًا الإعلام، وثانيًا الفزعة
السورية وثالثًا المواقف الدولية.
حقيقةً كان الثلاثة ليسوا بالمستوى المأمول، وكنا نُعزي أنفسنا أننا يا شباب نحن في اليوم الرابع
والخامس سنطول بالنا (ننتظر) ولكن ولا شيء، هل يُعقل؟ ولا شك أنَّ هذا كان بدأ يعمل أثرًا عند
بعض من يعرف النظام، ويحسب حساباته أنه لا نروح (نذهب) نقتل ولا أحد يسأل علينا، والناس تتفرج
والإعلام غير آتٍ بشيء تقريباً حين نبحث في الأرشيف الآن، نرى تغطية لبعض القنوات البسيطة،
ولكن لم تكن بالمستوى المطلوب أبدًا، وكان أكثر من يُغطي كانت قناة "البي بي سي"، وكان في ذلك
الوقت لها سمعة جيدة بين السوريين، وبعد ذلك أصبح مراسلها يُجير الأخبار لصالح النظام أكثر، ولكن
عن الأيام الأولى، أكثر من ينقل أخبارنا هي "البي بي سي" و"فرانس 24 "،ولكن إجمالاً "بي بي سي"
و"فرانس 24 "أو "العربية"و"الجزيرة"لم تكن تنقل بمستوى ما يحدث في سورية، ويمكن لهم
مبرراتهم الخاصة، وأذكر مثلاً في اليوم الرابع أو الخامس يُوجد مصورون لتلفزيون"فرانس 24"
طحنهم النظام طحنًا وكسرهم وأتى واحدًا منهم إلينا إلى المشفى لأنَّ النظام لا يُريد أن يُصور، وأكيد
النظام لا يسمح لوسائل الإعلام أن يصلوا لمكان الحدث، رغم ذلك لم نكن نُقصر بموضوع التصوير
ورفع المقاطع، فكنا نُرسل مقاطع، وتلك لا تخرج.
أنا طلعت مع "رويترز" أول مرة، ولم أكن أعرف مع من خرجت، وبعد ذلك سألتهم مع من
صورتموني؟ قالوا: "رويترز"وبعد ذلك سآتي إلى المجازر الأخرى، وبما أنَّ التسجيل الأول لم يعمل
لي مشكلةً على الأقل إلى الآن فتشجعت أكثر، وبدأت أصعد إلى تلك الغرفة في العمارة التي يأخذوني
إليها، في بعض الأيام مرتين أو ثلاث مرات، وكنت أُتابع الأخبار هل ما قلنا خرج أو لا؟ ويقولون أفاد
مسؤول من المشفى الوطني في درعا بوصول ضحايا، ونكون نحن من أوصل تلك القضايا، وفي
الأساس "رويترز" وبعدها بدأت القنوات تأتي أول بأول، وأصبح تعاوننا معها بشكل عضوي أكثر،
وصرنا نُوصل لهم المعلومات بشكل منتظم، وبعدها خرج الإعلام أكثر.
في تلك الفترة كنا ضحيةً للإعلام الرسمي، لم يكن شيئًا يحصل في درعا، وتطور خطابهم بشكل
تدريجي إلى أن يُهاجمنا بعصابات مسلحة ممولة معها مصاري (نقود) وفي رسائل من إسرائيل على
الموبايلات تقول للناس: اخرجوا وتظاهروا وفي 500 ليرة في كل سندويشة فلافل، وسوالف ما أنزل
الله بها من سلطان، وأنه هناك مجموعة من الشباب في جنوب درعا يرفعون علم إسرائيل ويُريدون
امتدادًا لإسرائيل داخل سورية وعاصمة للولاية الإسلامية، وهناك عناصر من فتح الشام، أصبحنا نسمع
كلامًا أشكال ألوان، ونحن في اليوم الرابع أو الخامس من الثورة.
العين الثانية كانت على سورية، ونُتابع أنَّه: يا شباب حتى نكون واضحين وصريحين كانت العين على
دمشق وحلب، وحلب أكثر من دمشق ربما حلب أكثر من دمشق لماذا؟ لأنَّ حلب ليست العاصمة،
والتواجد الأمني فيها أقل ربما وإمكانية التحرك فيها أكثر والكتلة السكانية حلب أكثر من دمشق،
والنقطة الأخرى الأحداث في الثمانينات جغرافياً أقرب إلى حلب، حي المشارقة وجسر الشغور، يعني
هناك حقد دفين لدى أهالي هذه المناطق ضد النظام، وربما أنا كنت متأثرًا أكثر، وأنا درست جامعتي
الأولى في حلب، ويا حيف على تلك الأيام كنا نذهب من ساعات الصباح الباكر حتى نحضر المأفون
أحمد حسون في جامع الروضة، من الصباح الباكر لأننا لا نلحق حتى في الشوارع، لا نُريد ساحة
المسجد الرئيسية والبهو التابع للمسجد لا حتى في الشوارع إذا كنا متأخرين الشوارع مليئة عند أحمد
حسون لماذا؟ مع أنَّه ليس شخصيةً استثنائيةً عن الآخرين، لأنَّه كان يخطب خطبًا موجهةً للشباب
بمعنويات عالية، ويتجرأ على الدولة أحياناً وعلى الإدارة والفساد واحترام كرامة الناس، ويذهب إلى
مطارح (مواضيع) المشايخ الآخرين لا يتكلمون بها، وهو لديه أسلوبه الخطابي الجاذب حقيقةً فكان
يُؤثر في عقول كثير من الشباب.
مثلاً كنا ما بين الشيخ أحمد حسون وما بين الشيخ محمود الحوت من جهة أخرى في صلاة الجمعة وما
بين المفتي في حي الفرقان محمد صهيب الشامي، كنا نرى لديهم هذه القضايا، وخُيِّل لي وكل زملائي
يشاركوني التفكير أنَّ: لا حلب مستحيل، وهي في الأيام العادية كانت هكذا، فحين ترى الثورة ستنتفض
عن بكرة أبيها، وكنا ننتظر والعاصمة كنا نعطيها الأهمية، لأنَّها كتلة بشرية وهي العاصمة واليوم درعا
إذا تحركت لا تُؤثر على النظام كثيراً، ونسأل بعضنا يا شباب: رأيتم في الشام (دمشق) وفي حلب هل
من ردة فعل؟ وأعتقد كان هناك نوى صغيرة تتولد هنا وهناك، لم تتبلور، ولم تتأطر في الشكل الذي كنا
نحن ننتظره، وهذا ولد حوارًا داخليًا، داخل كل نفس واحد فينا وبين بعضنا أنَّه ماذا يعني؟ هل نُكمل؟
ونفس الظرف الذي لدينا هنا يُمكن الشباب لا يستطيعوا أن يتحركوا إلا يوم الجمعة لنرى يوم الجمعة
وبعدها سيبك على دمشق وحلب هذا النظام يقتل أبناءنا، ولدينا نحن مشكلة مع هذا النظام بالذات وليس
هناك رجعة وسنبقى ضده حتى نستشهد أو يُحقق النظام المطالب.
وغير ذلك عن تحركات دولية بدأت تحصل، ولا أذكر التواريخ بالضبط ولكن يمكن الرجوع لها ومثلاً
فرحنا أنَّه خرج تصريح أمريكي، وبعدها لا أعرف من أخرج، ولكن إجمالاً رأينا تحركًا من الأمريكان
ووزارة الخارجية الفرنسية، وكاترين آشتون من الاتحاد الأوروبي أخرجت تصريحًا و"هيومن رايتس
ووتش" أيضاً أخرجت، والعناصر الأساسية لكل التصاريح متشابهة بأنه نُدين القمع المفرط التي تُواجه
به السلطات المتظاهرين، ويجب الضمان للناس حق التجمع والحراك السلمي والمظاهرات، وأن تحدد
المسؤولين عن قتل المتظاهرين وتعرضهم للمحاسبة ومن هذا القبيل، وحق الناس بالتظاهر، ولا شك
في المراحل الأولى مثل تلك التصريحات كان لها معنى، ولم يكن أحد يتوقع أبداً بأنَّ الأمور في سورية
ستتطور بهذا الشكل، وسيأتي على السوريين جمعة تنادي بالتدخل الدولي أو بتدويل الملف أو بمنطقة
حظر جوي لم يكن أحد يُفكر ويتخيل ويحلم، ولكن في وقتها تفاءلنا وفرحنا أنَّه تمام دمنا الذي يضيع
ليس محصورًا فقط هنا، وبدأت الناس تسمع وبدأت الناس تتكلم، وهذا الكلام سيولد ضغطًا، وربما
الضغط يدفع هذا النظام إلى أن يهدأ قليلاً، وخاصة لدينا دول سقط فيها رؤساء مثل تونس ومصر
وهكذا أملنا كمتظاهرين هكذا كان.
وبدأت تلك الأخبار يتم تداولها بيننا لنُؤمن مزيدًا من الوقود النفسي أننا لسنا لوحدنا، وبدأ العالم كله
يتحرك معنا، ونحن نُريد أن نستمر في هذا الحراك، ولكن داخلياً، أذكر تلك المرحلة جيداً، كنا نُعزي
أنفسنا بمثل تلك القضايا، ولكن لم تكن بالشيء المُنتظر، ويمكن نحن مستعجلون، كنا نتوقع أنَّه فوراً
يحصل مثل ما حصل في تونس ومصر وميدان التحرير، ونرى ملايين ونحن بقي لنا أربع أيام والنظام
يذبح بنا ولسنا غير قادرين على تجميع 2000 شخصًا، وهل من المعقول أن الناس لا تتحرك؟ وخائفون
من هذا المصير، أن درعا يحتويها النظام في القمع ولم يحصل شيء وشهدائنا ذهبوا على الفاضي
وآمالنا تحطمت، والنظام سيمكث في سورية بعقود أطول دون أن يتحرك أحد، وهذا كان هاجسًا كبير
جداً جداً بالنسبة لنا.
أمام تلك الديناميكيات المتطورة في درعا بدأت الحاجة للتنظيم الطبي، والتنظيم الطبي يُمكن يكون
فرض نفسه بنفسه، ولم يكن أحدًا مساهم في تنظيمه بقدر ما هو نظم نفسه بنفسه، ومثلاً لدينا اليوم
التظاهر، كان عددًا جيدًا من الأطباء يشاركون في التظاهرات يشاركون في المظاهرات الموجودة
أمامنا والتي نحن جزء منها، وليس لدينا مظاهرات بعيدة، أبعدها كان اعتصام العمري وهذا أيضاً كنا
مشاركين فيه أيضًا، وهذه المشاركة كان باعثها أولاً رغبتنا في التظاهر ورغبتنا بممارسة طقوس
الحرية والكرامة، وهذه حاجة أساسية، ولكن بعد المشاركة سمعنا بعض الشائعات أصبحت مشاركةً
أكثر إصراراً، بأنَّ هؤلاء زعران في الشارع لا ليسوا زعرانًا انظروا، وحين خرجنا وخرجنا في لحظة
من اللحظات باللباس الطبي لنقول: يا نظام أنت كذاب، وأنت ترى أطباء منهم مدني لا أخي نحن خرجنا
بلباسنا ونحن فلاحون وأطباء ومهندسون ومدرسون ومحامون، وكل أحد لديه عشق للحرية والكرامة
دخل إلى التظاهرة رجالاً ونساء شاركن لاحقًا، ولدينا عامل المشاركة التظاهرية وعامل أننا نريد أن
نُفند أكاذيب النظام أنَّ المشاركين ليسوا أولاد شوارع وزعران و تطور عامل بعد المظاهرات والذي
هو المرضى والجرحى، وبعض المرضى لم يستطيعوا أن يصلوا إلى العيادات، وكنا لا نُريد أن يذهب
أحد، والجرحى بطبيعة الحال أغلبهم لم يذهب للمشفى وصار بحاجة للذهاب إلى العمري أو المنازل.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2022/01/19
الموضوع الرئیس
الحراك السلمي في درعاكود الشهادة
SMI/OH/130-28/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
2011 - 2022
updatedAt
2024/05/06
المنطقة الجغرافية
محافظة دمشق-محافظة دمشقحلب-حلبمحافظة درعا-محافظة درعاشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الجيش العربي السوري - نظام
قناة الجزيرة
الاتحاد الأوروبي
جامعة حلب (نظام)
القصر الجمهوري- قصر الشعب
قناة العربية
هيومن رايتس ووتش
قناة ال BBC
وزارة الخارجية الفرنسية
قناة فرانس 24
وكالة رويترز