تشييع قتلى مجزرة الصنمين
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:17:13:14
بسم الله الرحمن الرحيم
في البداية، الرحمة للشهداء، والشفاء العاجل للجرحى، والحرية للمعتقلين.
مجزرة الصنمين التي وقعت أحداثها في 25 آذار 2011، كنا في ذلك اليوم نتظاهر في مدينة درعا، وبالتحديد في ساحة التحرير، وكنا نذهب من الصباح الباكر حتى نساند أهلنا في مدينة درعا بالاحتجاجات ورفع الشعارات ضد النظام والأجهزة الأمنية القمعية، وصلّينا في ذلك اليوم في مسجد المحطة، وكان خطيب هذا المسجد الشيخ محمد أبا زيد الذي كان يحرّض المصلين على التظاهر والخروج لمساندة أخوتنا في درعا البلد وفي كافة المناطق التي يظهر فيها التظاهر والاحتجاجات.
بعد خروجنا من المسجد، خرجنا إلى ساحة التحرير كالعادة وهي مقابل السراي الحكومي، وأتت أنباء من مدينة الصنمين أن هناك مجزرة قد وقعت بحقّ أكثر من 10 أشخاص، فكان ردّ فعل الأهالي أو المتظاهرين في درعا عموماً وخاصة في مدينة درعا -وأقصد المحطة ودرعا البلد- أن هبّوا لنصرة إخوانهم في مدينة الصنمين وللتعبير عن غضبهم من هذا الفعل، وكان قبل ذلك اليوم هناك خطاب هزلي ومشين لبثينة شعبان، وكان هذا الخطاب قد أثار ردّ فعل من قبل أهالي حوران، حيث كان الخطاب لا يرتقي للحد الأدنى لمطالب الشعب السوري وخاصة أهلنا في حوران.
فندّد المتظاهرون في تلك اللحظة بشعارات ضد الأجهزة الأمنية، و[طالبوا] برفع القبضة الأمنية عن المحافظة ومحاسبة المجرمين على الجرائم التي تمّت في مدينة درعا وبحقّ المسجد العمري. في هذه اللحظة، نحن عدنا إلى مدينة الحراك، وخرج بعض المتظاهرين إلى مكان التمثال أي الصنم الموجود مقابل بيت المحافظ، حيث قام المتظاهرون بإسقاط التمثال، واستمروا لأكثر من نصف ساعة، ولم يسقط هذا التمثال؛ لأن المادة التي صُنع منها التمثال هي مادة قابلة للاحتراق، فقام أحد الأشخاص أو الأشخاص الموجودون بإسقاطه وإحراقه، وكان رد فعل الأجهزة الأمنية إطلاق النار والرصاص الحي من منزل المحافظ ونادي الضباط الموجود هناك، وسقط 4 أو 5 شهداء من بينهم: الشهيد أحمد نجدت الزعبي من "المسيفرة"، والشهيد محمد الكردي من "المسيفرة"، وقمنا بتشييعهم، وخرجنا من مدينة الحراك بتشييع هؤلاء الشهداء في المقبرة الشمالية من جهة "الكرك"، وكان التشييع مهيباً، وحضرت وفود وشخصيات ثورية من بعض القرى، ورفعنا الشعارات المناهضة لنظام الأسد والأجهزة الأمنية وضد خطاب بثينة شعبان الذي كان خطاباً هزلياً، ولا يرتقي إلى طموح الشعب السوري ومطالب الجماهير أو مطالب المتظاهرين أو المحتجين، وكأن الشعب يريد فقط في سورية زيادة الرواتب والتأمين الصحي، وتغاضوا بشكل كامل عن رأس الفتنة والعمل الإجرامي الممثَّل في ذلك الوقت بالأجهزة الأمنية الموجودة في درعا، مثل لؤي العلي، أو قصي ميهوب من المخابرات الجوية، أو عاطف نجيب، أو المحافظ فيصل كلثوم. وكان الناس يطالبون بحرية التعبير عن رأيهم بهذه المطالب المحقة أصلاً للشعب السوري، مثل: رفع قانون الطوارئ، والحريات، و وقف القمع الأمني والأجهزة الأمنية، ومحاسبة القتلة والمجرمين، وعدم تسويق رواية أن هناك عصابات أو مندسين أو أيدٍ خارجية، أو كما قيل لاحقاً: إن إسرائيل أرسلت رسائل نصية على الأجهزة الخليوية [إلى أهل درعا] تدعوهم للاحتجاجات في هذه المحافظة، علماً بأن هذا الكلام ليس صحيحاً، والشعب السوري ليس بحاجة لمثل هذه الأكاذيب ومثل هذه الادعاءات التي لطالما كان النظام يفتعلها، ويوجد مكاتب لدى الأجهزة الأمنية بهذا الخصوص: مكاتب الأكاذيب والدعاية التي يسوّقها عملاء النظام في كل المحافظات السورية.
خرجنا إلى بلدة المسيفرة، وتمّ تشييع الشهداء، وكان المظهر وكأنه حفل زفاف، وعلت أصوات المتظاهرين، وصدحت حناجرهم حتى وصلت عنان السماء. وفي اليوم الثاني من "مجزرة الصنمين"، في يوم السبت 26 آذار 2011، اتفقنا فيما بيننا يعني مجموعة من الإخوة الناشطين والثوريين في مدينة الحراك أن نذهب إلى حضور تشييع شهداء مدينة الصنمين، وأن نتضامن مع أهلنا هناك، وأن نرفع الشعارات. وفي الساعة 10 صباحاً، ذهبنا إلى منزل المقدم أبي صلاح الحريري، وهو ضابط متقاعد، ولكنه انشقّ، وأعلن انشقاقه عن الجيش السوري لما شاهده من إجرام وعمليات ضد المتظاهرين في مدينة درعا.
في هذا اليوم، كنا مجموعة [مكوّنة] من أكثر من 8 أشخاص، وكنا [داخل] حوالي ثلاث سيارات، من ضمن الإخوة الذين كانوا موجودين: الأخ أبو عبدو محمود قومان، والأخ عبد الناصر القداح أبو جمال، وأنا منيف القداح (منيف الزعيم)، و المقدم أبو صلاح الحريري، وكان أيضاً في السيارة الثانية الشيخ وجيه القداح، وهو أحد المشايخ الذي صدح بصوت الحق على المنابر، وكان يسمي بشار الأسد من أول يوم في الثورة على المنبر أو في الخطابات التي نذهب للمشاركة فيها مسيلمة حافظ الأسد ، وأنه رجل كاذب، وأن هذا النظام معروف بكذبه وتضليله، وإن كل وعوده التي أطلقها هي فقاعات لا تُغني ولا تُسمن من جوع. كان هناك أيضاً...طبعاً، الأخ وجيه [قداح] معتقل منذ عام 2011، وكان معنا أيضاً الأخ المجاهد إسماعيل متعب السمور (أبو عقبة)، وهو من أحد وجهاء مدينة الحراك، وكان يحضر دائماً التمثيل الخارجي للقرى، وكان له دور كبير في استقبال الوفود، سواءً كانت من قِبل المتظاهرين، أو الذين يأتون من قبل النظام من أجل الوساطة لوقف الاحتجاجات أو فكّ خيمة الاعتصام. وكان معنا الأستاذ حسن العدوي، وهو مدير مدرسة وحزبي وبعثي قديم أيضاً، خرج معنا، وأراد أن يعبر عن رأيه بأن هذا النظام هو نظام مجرم وقاتل، ولابد أن نخرج ونعبر عن مطالب الجماهير والشعب في حوران عموماً. وفي هذه الأثناء، تنقّلنا، وخرجنا من مدينة الحراك بثلاث سيارات لكثافة الحواجز الأمنية التي وُضعت بين القرى؛ لتقطيع أواصر القرى والمدن ومنع تلاقي المتظاهرين فيما بينهم، كما حدث في مدينة درعا البلد، [حيث قاموا] بتقطيع حي البلد عن المحطة، وحدث ذلك أيضاً في أغلب القرى والمدن في حوران.
في هذا اليوم، كانت الرحلة شاقة ومتعبة جداً، وعندما خرجنا للذهاب إلى مدينة الصنمين، وكانت تبعد عنا حوالي أكثر 70 أو 65 كم، فسلكنا الطرق الترابية التي لا يوجد فيها حواجز أمنية، وعندما ذهبنا إلى مدينة داعل، وخرجنا إلى الشيخ "مسكين" مروراً "بنوى"، فكنا نسأل عن وضع الحواجز، وكانوا يقولون: إن الطريق إلى "الصنمين" مغلق، وحتى النملة لا تستطيع أن تدخل إلى مدينة الصنمين. وسلكنا إحدى طرق القرى المجاورة، وخرجنا من غرب مدينة الصنمين، وسلكنا طريق "جدية -سملين"، ودخلنا مدينة الصنمين، وتفاجأنا بوجود حاجز عسكري كبير من جهة المستشفى العسكري، وكانت هناك حجارة وقلاع تغلق هذا الطريق.
بالنسبة للإخوة الذين أتوا معنا إلى "الصنمين"، لم يستطيعوا الوصول؛ لأنهم لم يتّبعوا الطريق الذي سلكناه، وإنما اتّبعوا طريقاً آخر حتى لا يكون هناك اشتباه من قبل الأجهزة الأمنية أو الجيش الموجود على الطرقات، فأُعيدوا إلى مدينة الحراك، وبقينا 4 أشخاص: أنا والمقدم أبو صلاح الحريري، والأخ محمود قومان (أبو عبدو)، والأخ عبد الناصر القداح (أبو جمال). فاعترضنا هذا الحاجز، وكان الطريق مغلقاً، ولم يقبل الحاجز بدخولنا إلى مدينة الصنمين، فقال: لماذا تريدون الدخول إلى الصنمين والطريق مغلق؟ ولا داعي للدخول لأن هناك أحداثاً في الداخل، وتوجد أمور أمنية، ولا يمكنكم أن تدخلوا. فقمت وعرضت عليهم بطاقتي الصحية، وقلت له: إنني موظف في مديرية الصحة، وأريد أن أدخل إلى مستشفى الصنمين. وكانت عبارة عن حيلة، وكان هناك أيضاً المقدم أبو صلاح الحريري، قال أيضاً للعقيد الموجود على الحاجز: أنا مقدم في الجيش، وهذه هويتي العسكرية، وتمّ إزالة بعض القلاع والحجارة من الطريق لدخول السيارة.
في هذه الأثناء، دخلنا إلى مدينة الصنمين، وعندما دخلنا إلى مدينة الصنمين سألنا أحد الناس في المدينة، وكان [عناصر] الأجهزة الأمنية قد سألونا: هل ستبقون في الصنمين أم سترجعون؟ فقلنا لهم: لدينا عمل، وسنعود، لدينا عمل في المستشفى، وسنعود اليوم إن شاء الله.
في هذه الأثناء، سألنا الأهالي الموجودين، وكنا نعرف أشخاصاً في "الصنمين"، كانوا أصدقاء لنا بحكم العلاقة الرياضية، كان هناك لاعبون من مدينة الصنمين يلعبون في نادي الحراك، أذكر مثلاً: إسماعيل الفلاح، وأبو عبده زوج أختي كان لديه محل صاغة (لبيع الذهب) في مدينة الصنمين، فدخلنا، وطلبنا مكان تشييع الشهداء، فذهبنا إلى المقبرة، وعندما دخلنا كانت هناك جموع غفيرة -بصراحة- وأعداد مخيفة جداً، وأنت تعرف مدينة الصنمين وواقعها، وهي منطقة [مركز] للقرى والنواحي الموجودة هناك، يعني هي منطقة إدارية ومن الناحية الجغرافية هي قريبة من مدينة دمشق، ويوجد فيها الكثير من القطع العسكرية: مقر الفرقة التاسعة، واللواء 15 المحاذي لمدينة الصنمين وإنخل، وشعبة تجنيد، وفروع أمنية ( مفارز للأمن العسكري وأمن الدولة) ومساكن للضباط، وكان أغلب أهالي المدينة الموظفون يعملون -لقربهم من دمشق- في المحافظة التي لا تبعد سوى 50 أو 45 كم عن مركز العاصمة دمشق. وعندما دخلنا كان هناك تشييع شهيدين، ويوجد أيضاً شهيدان لم يتمّ تشييعهما، واقتربنا أكثر من المتظاهرين والمشيّعين، ولم نكن في ذلك الوقت نلحظ أي هتافات ضد النظام أو إسقاط النظام أو ضد الأجهزة الأمنية، كان عبارة عن تشييع تشعر فيه بالخوف من عمليات الاعتقال؛ لأن مدينة الصنمين هي مدينة عسكرية وأمنية بامتياز.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2019/11/17
الموضوع الرئیس
الحراك السلمي في درعاكود الشهادة
SMI/OH/96-14/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي ، أحمد أبازيد
مكان المقابلة
اسطنبول
التصنيف
مدني
المجال الزمني
25- 26 آذار 2011
updatedAt
2023/11/03
المنطقة الجغرافية
محافظة درعا-الحراكمحافظة درعا-منطقة الصنمينمحافظة درعا-مدينة درعامحافظة درعا-المسيفرةشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
الجيش العربي السوري - نظام
المخابرات الجوية في درعا
اللواء 15 ميكا - نظام
الفرقة التاسعة دبابات (مدرعات) - نظام