الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

حياة السوريين في ظل القبضة الأمنية للأسد الأب

صيغة الشهادة:

فيديو
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00:20:37:00

أذكر أنني في التسعينات كنت شابًّا تقريبًا، وكانت فترة [حكم] حافظ الأسد، طبعًا وحتمًا لم تكن هناك حياة سياسية، كلنا نعرف الموضوع بأنه لا توجد حياة سياسية، فأنت كنت تذهب إلى طلائع البعث ومنها إلى الشبيبة ومنها إلى حزب البعث بشكل أوتوماتيكي، طبعًا إذا أردت أن تصبح عضوًا عاملًا فيجب عليك أن تسعى كثيراً لهذا الأمر وتطلبه بشدة كي تُوظف، لكن إن كنت نصيرًا فإنهم يعتقونك ويتركونك. كان موضوع الانتخابات مثلًا نسمع به سماعًا في التلفاز، ولم تكن هناك انتخابات، يوجد شيء اسمه البيعة في تلك الأيام، نجدد البيعة للقائد، وفي الأساس لا يوجد شيء اسمه انتخابات، بل كنا نجدد البيعة، وطبعًا يرافقها احتفالات في عرس الوطن ومسيرات في كل مكان وحفلات ودبكة، والناس مجبرون على المجيء إذا كانت هناك مناسبة، وكان أكثر ما يحتفلون به هي الحركة التصحيحية المجيدة -حسب قولهم- فيحضرون طبلًا ومزامير ومطربًا، ويأتي أعضاء الحزب وأعضاء الأمن والمخفر والشرطة والوجهاء وغيرهم، وإذا تغيب واحد [يسألون:] لماذا تغيب؟ وإذا دبك أحدهم فيجب عليه أن يدبك أكثر من الآخر، وإذا دبك ولكن- بحسب قولهم- "دبك، ولكن ما نخ" وهذا مثل معروف، فكان هكذا الجو؛ جو من النفاق والكذب، فالناس كانوا يحسون به ويعرفونه مع أننا كنا أولادًا في تلك الأيام، لكننا نحس بأن هناك شيئًا غير [صحيح].

 طبعًا كان أهالينا يوعّوننا، لكنهم لا يقدرون أن يشرحوا لنا كثيرًا، فهم يخافون علينا أيضًا؛ يخافون علينا أن نتكلم أو أن نخطئ بشيء أمام أستاذ ما أو طالب في أمر ما، لكن أحدنا كان يحس بأن هناك شيئًا ليس صحيحًا؛ تحس بأن هناك شيئًا مبالغًا فيه، وليس صحيحًا، حتى تلك الأيام -بحسب قولهم- وعينا على الدنيا وحافظ الأسد رئيس سورية القائد الخالد المفدى البطل يعني شبه إله صغير هكذا تقريبًا صوروه كإله على الأرض!

 في اليوم الذي هلك ومات أصابتنا صدمة -معظمنا- وكانت صدمة كبيرة بأن هذا لا يموت، بمعنى أنه كيف يموت هذا وهو حافظ الأسد؟! هكذا كان معظم الناس... كنت تسأل مثلًا الذين عاصروا تلك الفترة: هل حقًّا مات حافظ الأسد؟! هل هذا يموت؟! أو ماذا سيحدث الآن؟ أو غير ذلك، فكان شيئًا مرعبًا، وكان جوًّا فاسدًا، فالثورة تأخرت كثيرًا، الثورة تأخرت كثيرًا، وإذا كان هناك شيء يُعاب على الثورة فهو تأخرها، لم نكن نعيش حياة سوية، هناك أشخاص يقولون لك: "والله كنا عائشين." لا، لم نكن كذلك، فنحن كنا نأكل ونشرب، والدواب إذا وضعتها في حظيرة تأكل وتشرب ونحن لسنا دوابًّا، الناس لم تكن تعيش...

 الوضع الآن مهما كان فيه معاناة- قد يكون هناك سوء وهناك فقد وهناك نزوح وقتل وفقر- لا يُقارن بما كان قبله، قبل ذلك لم نكن نعيش، كنا عبارة عن مجموعة من الحيوانات موضوعة في حظيرة ومضبوطة تأكل وتشرب وتخرج وتدخل في أوقات معينة فقط، ولكن لا أعرف إذا كان هذا بالنسبة لبعض البشر يمثل عيشة كريمة مثلًا فهذا موضوع ثان، لكن فعليًّا لم نكن عائشين، وكل هذه الظروف ربما أثرت قليلًا في طبيعة أهل كفرنبل بحسب رأي واحد من أعلام كفرنبل -رحمه الله- الآن تُوفي وهو الروائي عبد العزيز الموسى، وهو روائي معروف على مستوى الوطن العربي، كان يحس أنه سبب الفكاهة أو الشيء الساخر الموجود أو خفة الظل الموجودة في كفرنبل، وهي أحد أساليب التصدي للظلم أو الذل، وكنت أحيانًا تجد في الجانب الساخر أو الفكاهة الظلم من تحت لتحت (مختبئًا بداخلها)، وأن تواجه أي شيء وتأخذه بشكل ساخر يظل مقبولًا أكثر وينتشر أكثر، فصارت طبيعة أهل كفرنبل أن يمزحوا في كل شيء وأن يضحكوا في كل الأوقات، وحتى وقت المصيبة أو في الأوقات الصعبة تجدونهم يمزحون؛ فهم مبرمجون هكذا، فهكذا حصل معهم بحسب تحليل الرجل، وهذا كان رأيه بأن عصور القهر التي مروا بها أثرت قليلًا على طبيعة أهل كفرنبل، وجعلتهم يميّعون أي قضية، ويتجهون بها نحو المزاح، طبعًا عُكست بشكل واضح في لافتات كفرنبل؛ لأن اللافتات لم تكن صناعة شخص، بل كانت مشاركة من معظمهم، فأي شخص عنده فكرة من أهل كفرنبل كان يشارك فيها، وانعكست بشكل واضح؛ لأن هذه هي طبيعة أهل كفرنبل.

 أذكر مثلًا يوم تُوفي الهالك، طبعًا تُوفي ابنه باسل قبله، أذكر أنني ربما كنت في الصف التاسع في تلك الأيام، علمًا بأننا كنا كلنا نعرف بأن نظامنا جمهوري، لكننا كلنا الكبار مع الصغار نعرف بأن باسلًا هو خليفة حافظ، كان الأمر معروفًا بهذا الشكل من غير أن يقول أحد: كيف؟ ولماذا هو هكذا؟! فهور (حصل له حادث) الرجل (باسل) وتُوفي، لا أعلم هل كان تهورًا [أم] قُتل قتلًا أم...؟!

 بالمختصر هي خلافات مع أولاد عمه أو إلى آخره، فعندها العزاء صار في سورية، ظلت سورية في عزاء ولا أعرف كم المدة، فلا تجد غير القرآن على التلفاز وعلى الدفاتر: إن العين لتدمع وباسل والقائد والفاحص والألقاب وأمور كهذه، والناس يريدون التباكي حتى يحصلوا على مكاسب، والذي لا يتباكى... بمعنى أنه جو مقرف وجو مقزز، ومنذ ذلك الوقت تمت تهيئة بشار على اعتبار ان الخليفة الأول مات، فولي العهد الثاني يتم العمل من قبل النظام على تهيئته بعده، وفعلًا استطاع أن يضعه في السلطة، فتخيلوا مثلًا أن دولة اسمها جمهورية وعندها دستور، وبكل بساطة صارت ملكية، إنه لشيء مضحك! يعني الآن يوجد الكثير من الممالك، يوجد الكثير من الدول نظامها ملكي، لكن نظامها ملكي، بمعنى أنها في الأساس تأسست على هذا الملك، الملوك هم أنفسهم نوعًا ما أسسوا هذه الدولة، فهذا شيء متعارف عليه وطبيعي وغير مستنكر، لكن أن يكون لهذه الدرجة، أنه -يا أخي- البيعة وكل مرة البيعة، ولا توجد انتخابات، ولا يوجد غير... لكن أن تضع ابنك! فتخيل أنت مقدار السطوة والقوة والجبروت الذي كان موجودًا! فهو فعلًا وضع ابنه في السلطة، وغيروا الدستور في دقيقتين وكذا، لكنه بالفعل شيء مضحك فتنظر هكذا [وتسأل نفسك]: الناس أليس عندهم مخاخ؟! [بلى] الناس عندهم مخاخ، ولكن لا أحد يمكنه أن يتكلم ولا أحد يجرؤ على التكلم، كلنا نعرف أن مجلس الشعب هو عبارة عن مجلس للدمى وللتصفيق فقط والقليل من الوجاهة للذي يصير عضوًا في مجلس الشعب، وأن فلانًا عضو مجلس الشعب فقط هذه مكاسبها [بالنسبة له] كعضو أو كذا، لا يوجد شيء اسمه برلمان، ولا يوجد مجلس شعب، وليس عندنا حزب، ولا يوجد عندنا حتى مؤسسة عسكرية مستقلة، وحتى الأحزاب التي كانت موجودة في الستينات والخمسينات وضعوهم ضمن شيء سموه الجبهة الوطنية التقدمية، وضموها للدولة، إذًا فكيف أنت حزب؟! والمفترض أن يكون الحزب معارضًا، في الأساس إذا كان هناك حزب حاكم، فالحزب الثاني ماذا سيكون عمله؟ حتمًا سيكون معارضًا فهذا أمر طبيعي، فكيف تضمه إلى الدولة، ويصير جزءًا من الأجزاء الموالية؟! يعني كيف زبطت (استقام هذا الأمر) معك؟! أن يكون شخص هكذا عمله مثلًا: كما هو الحال في موضوع النقابات، فقد كنا من قبل نسمع عن نقابة العمال، نقابة العمال مثلًا في إنجلترا أو في أي دولة... فأي دولة عادية فيها نقابة عمال، فعمل نقابة العمال على اعتبار أنها مؤلفة من العمال هو تحقيق حصول العمال [على حقوقهم] من الدولة، تأخذ حقوق هؤلاء العمال من الدولة ومن أي شي آخر، فلا يصح أن تكون هي دائرة حكومية للدولة، فأنا لا أعرف كيف هذه النقابة تعمل؟! فكان عندنا في تلك الأيام كل شيء اسمه بناء حكومة هو للدولة أيًّا يكن اسمه، فلا يختلف بشيء عن مخفر الشرطة، فمثلًا: نقابة العمال أو أي مؤسسة ثانية كلها لحافظ الأسد ولآل الأسد.

 وطبعًا كلنا نذكر تلك الأيام كيف كانوا مثلًا يحكمون كعصابة، فضلًا عن أنهم أخذوا كل ثروات البلد من نفط وغيره، ويلاحقون الشخص على مصدر رزقه، لكن ذلك لم يكفهم، [وبالنسبة] للتهريب فكان عمل التهريب كله لآل الأسد وأقارب آل الأسد ولرفعت الأسد وأولاده ولا أعرف من أيضًا، حتى إنه صار هناك خلاف بين رفعت وحافظ على الحكم تخيل ذلك! فهي من وجهة نظرهم مملكة وكيف أن حافظ يريد أن يضع باسلًا ورفعت واضع عينه (يخطط لاستلام الرئاسة)؟ فصار خلاف، ورفعت من المعروف أنه ذهب إلى فرنسا حيث نفاه أخوه وعلى اعتبار أنه أخوه لم يقتله فنفاه، وطبعًا أخذ النقود كلها وذهب، فتخيل فقط أنهم ينظرون لها على أنها ملكية منذ تلك الأيام! فكانوا مستلمين التهريب؛ تهريب الدخان تحديدًا كان أكثر شيء يقومون به وتهريب كل شيء، ومعروفة مناطق الجبل كلها فقد كانت مناطق تهريب ويسيطر عليها مليشيات كانت مسلحة ولم تكن مكترثة لأمر الدولة، فهم تابعون لأفراد من الأقارب المباشرين لحافظ الأسد سواء كانوا أولاد أخيه أو أولاده أو إلى آخره، وكانت عملية منظمة وهم معروفون منذ تلك الأيام.

والآن كلمة شبيحة من أين أتت؟ في تلك الأيام نزلت (ظهرت) سيارات الشبح من نوع "مرسيدس" يوجد شيء اسمه سيارة الشبح "المرسيدس" السوداء، وكانت أحدث سيارة وشيئًا مبهرًا، فجماعة المهربين استخدموا هذه السيارات، وصاروا يركبون هذه السيارات كثيرًا، فصارت عندما تمر سيارة الشبح فيعرفونه، فصارت نسبة لسيارة الشبح فالذي يركبها صار اسمه شبيحًا، ومن تلك الأيام ينادونهم شبيحة، فكانت تعني المهربين، ولم تكن تعني مثل هذا الوقت الموالين للنظام، لكنها كعبارة فعليًّا تعني أنهم موالون للنظام، فهي ميليشيا مسلحة خارجة عن سيطرة الدولة أو بالأحرى يديرها أفراد موالون للأسد بشكل مباشر لمكاسبهم الشخصية من تهريب وقتل وغيره، فكانوا حتى إذا تعرضت لهم دورية مثلًا بالخطأ من الشرطة -خاصة من الشرطة- فإنهم يقتلونهم، ولا ينتج عنها شيء، فقد انتهى الأمر.

 ففي بداية الثورة هذه المليشيات كانت مسلحة وجاهزة أصلًا ولا تحتاج لأن تسلحها، وهي أول من بدأ بقتل المتظاهرين، هؤلاء الشبيحة الذين نعرفهم، فصار مصطلح شبيح يعني الموالي للنظام البلطجي الذي يقتل ويظلم من أجل أن ينافق لسلطة معينة ولمكاسب معينة، ولكن أساسها كان هو سيارة الشبح، فهذه كانت بداية التسمية ونتذكر تلك الأيام؛ لأننا كلنا نعرف أن الشبيحة في تلك الأيام هم المهربون والذين يستلمون التهريب، وهم إما تابعين لجميل الأسد أو لمن لا أعرفه من أقارب وأولاد رفعت وأقاربه، وكانوا يستلمون موضوع الاقتصاد، منذ أيام حافظ كان هناك دائمًا وكيل حصري لأي عمل في الدنيا (سورية)، وهذا الوكيل الحصري حصرًا من القيادة القطرية التابعة للحزب ومن أقارب حافظ، فهكذا كانوا يتقاسمون البلد، فمثلًا: موارد السكر في سورية هناك شخص واحد فقط يتحكم بسعر السكر وهو يورده وهكذا، لكن في أيام بشار الموضوع تعدى ذلك، فبدلًا من أن يسلم أكثر من شخص أحب أن يسلم ابن خاله كل الاقتصاد؛ فسلم اقتصاد سورية لرامي مخلوف كله من أوله إلى آخره من الاستيراد والتصدير إلى المنشآت إلى وسائل الاتصال وكل ما يخطر على بالك، فكان بشكل وقح فاجر وواضح كثيرًا، فتخيل ذلك! لكن لا يوجد من يستطيع أن يقول له: لا. فكان يعمل كما يريد مع الأسف، فحدث ما يشبه حصارًا اقتصاديًا أو عقوبات اقتصادية على سورية، هذا الكلام في الثمانينات وأدركته حيث كنت ولدًا، ربما في عام 1988 مثلًا أو في آخر 1986هذه الفترة، وكم استمرت لا أذكر بالضبط، لكنني أتذكر إلى الآن أنه كان يوجد شح في المواد الغذائية؛ فإذا احتجت زيتًا أو سمنة أو سكرًا لا يوجد في المحلات، تجده في المؤسسة العامة الاستهلاكية، وتحتاج أن يكون يوجد عندك بونات (دفاتر صادرة عن الدولة للشراء) تذهب فقط تزبطهم (توقعها من الدولة) وتصرفها وتقف على الدور، وكان الوضع هناك لا يطاق وهناك ازدحام واقتتال من أجل تحصيل جرة غاز أو تحصيل القليل من السكر أو تحصيل... طبعًا هنا الشيء الذي يقهرك، أذكر في أيام الأزمة الاقتصادية أنهم كانوا يتكلمون بأن سبب الحصار هو أن أميركا تعمل (ضدنا)، وهي الإمبريالية العالمية والصهيونية وأننا هنا نحن نظام التصدي والممانعة والمقاومة، فنحن علينا عقوبات لهذا السبب، واكتشفنا لاحقًا مع الأسف أن هذه العقوبات كانت على حكومة سورية بسبب الجرائم التي ارتكبتها في حماة في الثمانينات، هذه كانت العقوبات، لكن مع الأسف العقوبات من تحملها؟! الشعب وليس الحكومة ففي الأساس هي عصابة وليست حكومة أساسًا حتى تتأثر والذي يتحملها هو الشعب، وفوق هذا الشيء يكذبون على الشعب أيضًا ويقولون له" " إمبريالية وعالمية وصهيونية" وهذا هو سبب منعهم والمقاومة وهذه القصص.

طبعًا في تلك الأيام لم يكن هناك شي اسمه وسائل تواصل اجتماعي، ولم يكن هناك حتى قنوات فضائية، كان هناك شيء اسمه إعلام رسمي فلا تستطيع أن تسمع شيئًا خارجه، أساسًا إذا أحببت أن تعرف شيئًا، لا يوجد عندك غير وسائل الإعلام التابعة للدولة سواء كان راديو (مذياعًا) أو تلفازًا، فيكذبون الكذبة التي يريدونها ولا يستحون، ولا أحد يستطيع أن يعرف غير ذلك إلا حين يخرج من البلاد.

 كانت أيامًا صعبة، كنا منوّمين ومغفلين والظروف ساعدت النظام كثيرًا في تلك الأيام فعلًا حتى يُحكم السيطرة، تكلمنا أنه في البداية حزب البعث استأثر بالسلطة وصفّى المعارضين، ولاحقًا حزب البعث نفسه –ضمنه- قاموا بتصفية بعضهم حتى استلم حافظ الأسد بحيث تصير كل السلطات في يد رجل واحد، وارتكب بعدها مجازر بعد أن قامت هناك حركة الإخوان (المسلمين) التي لم ترض [بالظلم]، وحركة "الإخوان" في وقتها كان عندها طمع بالسلطة طبعًا أو عندها أهداف ثانية ربما تكون جيدة، وبغض النظر عن "الإخوان" سواء كان إيجابيًّا أو سلبيًّا، لكنهم كانوا يمثلون المعارضة في تلك الأيام، فهم الحزب الذي لم يرض أن ينضم إلى الجبهة الوطنية التقدمية التي ضبطتها (أنشأتها) الدولة، وكان يحس أن الحاكم مستبد كثيرًا، أو أنهم يريدون السلطة، أيًّا كان [وضعهم]، لكن النظام أجرم في وقتها، فمجزرة حماة معروفة طبعًا، فقد حدثت مجزرة في كفرنبل، وحدثت في حلب في الأشرفية، لكن حماة غطت على الكل، فقد راح ضحيتها آلاف مؤلفة وبيوت هُدمت وقُصفت بالمدافع في تلك الأيام رفعت الأسد قصفها بالمدافع، ومات أشخاص لهم علاقة وأشخاص ليست لهم علاقة، والذي بقي حيًّا قتلوه أو أخذوه إلى السجون.

 كانت حدثًا كبيرًا، لكن لا توجد وسائل إعلام وهكذا، ومع ذلك صارت هناك عقوبات -كما تكلمنا- دولية في النهاية، فهم يعرفون ليسوا أغبياء (المخابرات)، ولم ينتج عنها شيء، فهذه العقوبات كلها تحمّلها الشعب بالمحصلة، وكل الظروف ساعدت على أن يستمر حافظ الأسد ويظل.

 طبعًا في اليوم الذي مات فيه حافظ الأسد قلنا: صار هناك نوع من الشعور ليس بالصدمة، بل هو صدمة فعلًا، لم يكن أحد... فهذا لا يموت، فبالنسبة لي مثلًا شخص عاش كل عمره وهذا هو رئيس سورية وهكذا يُعرف بأنه القائد الخالد، ولتضع ألقابًا كما تريد، فكيف يموت؟! إنه حدث غريب.

 وطبعًا في يومين ظبطوا الأمور (جعلوها تسير كما يريدون)، وسلموها لبشار وبكل سلاسة، ولم تحصل أي مقاومة أو ممانعة، ربما قلة قليلة تكلموا في مجلس الشعب ولوحقوا لاحقًا وصاروا من المشاركين في الثورة طبعًا، ربما شخص أو اثنان اللذان تكلما عن الموضوع بأنه لا يمكن تعديل الدستور، فتجرؤوا وتكلموا.

 والناس معظمهم عندما استلم بشار لم يكونوا حاقدين عليه وحتى أهالي كفرنبل الذين عانوا كثيرًا من النظام، لكن كانت هناك نظرة مختلفة قليلًا تعتبر أن أي أحد سيأتي يُفترض بأنه سيكون أفضل، على اعتبار أن حافظ الأسد كان مجرمًا عظيمًا، يعني مجرم كبير وقاتل ووحش، وكان يعتبر نفسه إلهًا، فنصب نفسه إلهًا على سورية، فتأملوا[خيرًا]؛ لأن ابنه في النهاية ليس له علاقة بالدم (القتل) الذي ارتكبه أبوه، هكذا كانت النظرة العامة وأنه شخص درس الطب، وأنه واع ومثقف، ومن المفترض أن يكون متحضرًا أكثر، ويعامل الناس كبشر، ومن الممكن أن يقوم بالقليل من الإصلاحات، فلم يكن بإمكانك أن تقول: "والله كان هناك حقد على بشار من أول لحظة" على العكس كان الكثير من الناس [يقولون]: "ربما هذا سيصلح الأمور." أو كان هناك أمل بأن الأمور ستصير أفضل؛ لأن موضوع التفكير بالثورة كان شبه مستحيل، فمجرد التفكير بالفكرة لا يخطر (على بالنا)، وهو طبعًا –كما تعرف- كان معروفًا بأنه يحب كثيرًا أن يخرج وعنده تصريحات وسوالف (قصص) وأمور لا قيمة لها، ويضحك، ليظن الناس أنه مرحًا، وكان يحكي قصصًا، وحاول أن يشكل شعبية في الفترة الأولى، مثلًا: في إحدى القصص قال: إنه ذهب مرة إلى حلب بدون مرافقة. ويدعي أنه بدون مرافقة والأمن (في حينها) ملأ حلب وكل الدرب (الطرق) ودمشق، لكنه ذهب هو وزوجته، وحتى إنه قال: إنهم وقفوا على بسطة (ما يُباع في الشارع) واشتروا مشروبات غازية ودفعوا ثمنها. بمعنى أنهم بشر مثل باقي البشر، وحتى الناس صاروا يمدحون كثيرًا هذه القصة، وأنه دفع ثمنها [ويحلف البائع] قائلًا: علي الطلاق (يحلف يمينًا) دفع ثمنها! وأن هذا الأمر عظيم؛ لأنهم يعتبرونه إلهًا أو ابن إله فكيف يريد أن يدفع ثمنها؟!

 طبعًا هي كلها كانت نوعًا من الدعاية له، ولم تكن سيئة بصراحة، وأعطته قليلًا تعاطف الكثير من الناس؛ وأن هذا مختلف عن أبيه، يعني حاول أن يعطي الفكرة الأساسية بأنه غير أبيه، حتى إنه أخرج القليل من السجناء من السجن، وفي كل فترة كانوا عندما يخطر في بالهم يخرجون عدة سجناء، فالناس استبشروا قليلًا، لكن مع مرور الوقت وعندما وجدوه قد سلم الاقتصاد كله لابن خاله، فالوضع الاقتصادي ازداد سوءًا عن أيام حافظ، وصار الوضع أصعب، وسلم سورية المتبقية وبشكل عام أطلق يد إيران فيها بشكل رسمي، ففي أيام حافظ كانت هناك علاقات قوية مع إيران، لكن لم تكن لها هذه السطوة أو هذه السلطة ضمن سورية في أيام بشار هو الذي أطلق يد إيران منذ بداية تسلمه... صارت هناك حركة تشييع قوية منظمة وبناء حسينيات والكثير من القصص، وكان هناك استمرار لكل الآثار السلبية التي كانت؛ كسلطة الأمن وعدم وجود المؤسسات والظلم والسجون والوضع الاقتصادي السيئ و 100 ألف أمر أدى في النهاية إلى الثورة، لكن الذي أخرها 10 سنين عن يوم موت حافظ هو فقط أنه كان هناك القليل من الأمل عند الناس بأنه من الممكن أن يكون ابنه أفضل، فاستهلكوا 10 سنين إلى أن استوعبوا بأنه في النهاية هو مجرم وابن مجرم، وماذا سيصدر عنه؟! حتى صارت هناك قناعة [بذلك]، ولاحقًا عند بداية الربيع العربي كان المحفز الأساسيً طبعًا، لكن الناس بشكل عام لكيلا يقولوا: إن بشار الناس حاقدون عليه من البداية، لا، أنا أقول لك: في بداية تسلمه كان الناس يقولون: "شيء أحسن من شيء." فالذي كنا نعرفه سيئ جدًّا فيستحيل أن يكون هناك أسوأ منه، بمعنى أنه ربما يكون أحسن قليلًا وأفضل قليلًا، ففي الأصل الأمر ليس بيدنا، فالناس حاولوا أن يتقبلوا بشار، لكنهم استهلكوا 10 سنين حتى اكتشفوا أنه نسخة عن أبيه، لكنه جاء في زمن آخر لا أكثر ولا أقل.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2023/03/10

الموضوع الرئیس

سياسات النظام الأمنية

كود الشهادة

SMI/OH/219-02/

رقم المقطع

02

أجرى المقابلة

إدريس  النايف

مكان المقابلة

اعزاز

التصنيف

مدني

المجال الزمني

قبل الثورة

المنطقة الجغرافية

محافظة إدلب-كفر نبل

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

حزب البعث العربي الاشتراكي

حزب البعث العربي الاشتراكي

الجبهة الوطنية التقدمية

الجبهة الوطنية التقدمية

مجلس الشعب - نظام

مجلس الشعب - نظام

الشهادات المرتبطة