انضمام المجلس الوطني الكردي للائتلاف، والموقف الإسرائيلي والروسي من الثورة
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00:40:12
عندما تشكل الائتلاف (تشكّل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 - المحرر)، كانوا قد أحضروا 3 من أعضاء المجلس الوطني الكردي على أساس أن ينضموا إلى الائتلاف، ولكنهم لم يستطيعوا أن يتخذوا قرار [الانضمام]. وأنا حينها خرجت من الاجتماع، وهم طلبوا مني [أن أتصرّف]؛ لأنهم لم يكونوا "يمونون" (ليس لهم تأثير)، وكان فيصل اليوسف رئيس المجلس الوطني الكردي حينها، وأنا أعرفه منذ أيام الدراسة، فقد كنا معًا ودرسنا الفلسفة، وهناك صداقة بيننا. وبالفعل، حاولت إقناعه لمدة نصف ساعة على الهاتف بأن يرشحوا نائبًا للائتلاف، ولكنه لم يقتنع، فهم على ما يبدو لم يتخذوا قرارهم بأن ينضموا إلى الائتلاف. وبعد ذلك تركوا الموقع شاغرًا، فقد كانت هناك تحفظات بين بعضهم، وهم غير متفقين، وهناك قسم منهم لا يزال مراهنًا [على حزب العمال الكردستاني – المحرر]، وهم ليسوا مع الثورة في الأساس، ويريدون الذهاب إلى حزب العمال [الكردستاني]، وربما علاقاتهم مع النظام لم تكن مقطوعة؛ لذلك كانوا يعرقلون، وكل طرف لديه حق الفيتو، وهذه الإشكالية كانوا يعانون منها.
الكثير من الأصدقاء طلبوا مني حينها أن أترشح لأكون نائبًا لرئيس الائتلاف، فرفضت قائلًا: "أنا مع الثورة دائمًا، ونائب رئيس الائتلاف يجب أن يكون من المجلس الوطني الكردي كي نحضرهم"، وهذا كان هدفي الأساسي. أما بالنسبة للعمل السياسي التنظيمي، فإنني قبل الثورة كنت قد تركته، ولكنني كنت أكتب كنوع من أداء الواجب، و[أقول] إنه يجب أن يحدث تغيير. وحين حصلت الثورة، أصبح من واجبي [العودة للعمل السياسي]، فهذه هي الثورة التي كنت أدعو لها دائمًا وأحرّض عليها، وعندما أصبحت على الأبواب [هل يمكن أن] أقول: "لا علاقة لي بها!"، لا يجوز ذلك. وعلى الرغم من انسجامي الشديد مع حياتي الأكاديمية ومع البحث، ولكنني رجعت مرة ثانية.
عندما أردنا إحضار المجلس الوطني [الكردي]، أذكر حينها أنني كتبت المقترح، وتواصلت مع رياض سيف في الائتلاف، وكان تصوري أنَّنا حتى نُحضر المجلس الوطني الكردي- طبعًا ذلك بعد المفاوضات ومتابعة هذا الملف - وصلت إلى قناعة بأن ذلك يتحقق بأمرين: أولًا: يجب أن يكون هناك بيان مشترك ووثيقة مشتركة حول المسألة الكردية وكيف نحلها. والمسألة الأخرى: ولأنني أعرف طبيعة الأحزاب، فإذا كنا نريد أن نحضر 3 أو 4 أعضاء باسم المجلس الوطني [الكردي] لن نغطي كل الأحزاب، فهناك حوالي 14 أو 15حزبًا، وبالتالي لن تسير الأمور بشكل جيد؛ لذلك نريد أن نرفع العدد (المقصود عدد المنضمين للائتلاف من المجلس الوطني الكردي – المحرر)، واقترحت حينها أن يصبح العدد 14شخصًا.
قدمت الاقتراح في البداية إلى رياض سيف، وتشاورت معه ومع بعض الإخوة الآخرين لتهيئة الرأي العام [ضمن الائتلاف – الشاهد]، فالرأي أن يكون هناك 14 شخصًا، وأن يكون هناك بيان نتوافق عليه ليكون بمثابة وثيقة مشتركة. وبين فترة وأخرى كنت أقوم بلقاءات، وأسافر إلى أربيل، وألتقي بالمجلس الوطني الكردي، وكان بعض الأشخاص قد انسحبوا منه وكذلك بعض الأحزاب مثل حزب الوحدة [الديمقراطي الكردي]، فأصبحت لديهم الأجواء أفضل بقليل، ولكن عملية تسويق 14 شخصًا كانت صعبة قليلًا؛ فليست كل الكتل في الائتلاف تقبل بذلك. وفي الائتلاف أيضًا - ولم يعد هذا سرًّا - كل كتلة أحيانًا تكون مرتبطة بدولة، وتنسق معها؛ ولذلك كان هناك تواصل حتى مع الدول، أقول ذلك على اعتبار أن هذه شهادة للتاريخ، وبالتالي كان هناك تواصل حتى مع الموقف الدولي كي يكونوا هم متفاهمين أيضًا.
[بالنسبة] للدول التي تواصلنا معها في ذلك الوقت، كانت أول دولة هي تركيا، وذلك كي نضعها في الصورة، وتواصلنا مع الأمريكان والقطريين أيضًا، وكذلك مع كافة الكتل السياسية [في الائتلاف] في سبيل أن نهيئ الجو، فالمجلس الوطني الكردي سيدخل إلى الائتلاف، وسيأتي إلى الائتلاف بقوته، فهو حين يأتي، هو كتلة سياسية وقضية أساسية، ويمثل مكونًا مجتمعيًا له حضوره، وهذا لصالح الثورة السورية، وبذلك نتجاوز كل العقبات التي كانت تحصل.
كنت أشك، إن لم نقل أتلمس ذلك، وكأنَّه منذ البدايات هناك بعض الجهات الدولية والإقليمية تريد أن تفجر العلاقة الكردية العربية، وكنت أشك أنَّ هناك نية تقسيمية إلى حد ما، تحت ذريعة أن الناس غير قادرين على أن يعيشوا مع بعضهم، وحتى بين السنة وبين العلويين؛ لذلك أردنا أن نصادر هذه المسائل. [وبخصوص الطرح الذي عملت عليه] كانت مواقف الدول إيجابية، بما فيها مواقف الأمريكان وتركيا والدول الخليجية؛ لأنه حتى مع الدول الخليجية ومع السعودية طرحت الموضوع في سبيل الدعم بهذا الاتجاه.
مرة في اجتماع من اجتماعات الهيئة السياسية، كان سيأتي وفد من المجلس الوطني الكردي إلى اسطنبول، ومن المفترض أن يلتقي مع الخارجية التركية لأول مرة. وقبل ذلك إذا أردنا أن نعود [قليلًا إلى الوراء]؛ لأن هذا ملف شائك، حين حصل موضوع [مدينة] رأس العين، وكنا في لقاء مع الرئيس التركي عبد الله غول، وكان [رئيس] الائتلاف حينها الشيخ معاذ [الخطيب]، وجورج [صبرة] كان موجودًا، وذهبنا إلى القصر الجمهوري، وكان أحمد داوود أوغلو موجودًا. حصلت مشكلة كبيرة، وكان ذلك في المرحلة الأولى وليس في المرحلة الثانية [من معركة رأس العين] (امتدت هذه المرحلة من 8 تشرين الثاني/ نوفمبر إلى 17 كانون الأول/ ديسمبر 2012 – المحرر)، وحصل في وقتها ضرب، وكان "بي واي دي" لم يظهر بعد في الساحة، وأصبحت المسألة كردية عربية. تحدثت بصراحة مع أحمد داوود أوغلو على الهامش، وقلت له: "دكتور، موضوع رأس العين لا أعرف إذا كان لكم يد فيه أم لا، ولكن في نهاية المطاف إذا عملتم بهذه الطريقة على أساس أنكم ضد الـ "PYD" وتريدون أن تؤذوهم، فعلى العكس أنتم بهذه الطريقة تنفعونهم، فقد أصبح هناك تأييد شعبي لهم، علـى أساس أنَّ هناك فصائل تأتي لتهجم على البلد، وتأخذ [الأمور] طابعًا عربيًا كرديًا، وأن الأتراك يدعمون العرب. وفي نهاية المطاف لن تكون الحالة في صالحكم، وليست في صالح السوريين، وليست في صالح الأكراد". فقال: "ما هو مقترحك؟"، قلت: "مقترحي أن تستقبل وفدًا من المجلس الوطني الكردي"، وكانت هذه أول مرة تحصل في التاريخ أن يكون هناك لقاء كردي سوري مع الجانب التركي. والرجل لم يتردد، وقال: "حسنًا، وجّه لهم دعوة على لساني، وبعد يومين أو ثلاثة أنا مستعد أن ألتقي بهم في أنقرة، فليأتوا".
تواصلت حينها عن طريق إقليم كردستان العراق على اعتبار أنه من الصعب التواصل مع أي حزب، تواصلت معهم، وقلت لهم: "هناك دعوة بهذا الاتجاه"، وفي اليوم التالي تواصلوا معي، وقالوا إن القنصل التركي في أربيل هو أيضًا أكد بأن هناك دعوة من هذا القبيل. ولكن المجلس الوطني الكردي نتيجة خلافاتهم وحساسيتهم وخوفهم من الـ "PYD"، لم يستطيعوا أن يأتوا؛ لذلك لم يأتوا إلى اللقاء، بينما أحمد داوود أوغلو كان مستعدًا للقاء بهم.
في المرة الثانية أيضًا شجعناهم على أن يلتقوا بالمجلس الوطني الكردي، فجاؤوا (أي أعضاء المجلس) إلى اسطنبول، وقالوا: "هل سنلتقي مع وزير الخارجية؟"، فقلت لهم: "لا، فاتتكم فرصة لقاء وزير الخارجية، ولكن على كل حال هذا اللقاء مهم أيضًا"، بمعنى أن وزير الخارجية مطلع على هذا اللقاء. كنا ننسق حينها بهذا الاتجاه، وحاورتهم وقلت لهم: "انظروا، إن طريقة مفاوضاتكم، عندما تأتون وكل مرة تريدون أن تغيروا الوفد المفاوض، وتغيّرون الطلبات، لن تصلوا بها إلى حل. أنتم يجب أن تعتمدوا على شيء يكون هو أساس التفاوض، ثم تتناقشون، فإذا غيرتموه أو بدلتموه أو حسّنتم، ومهما فعلتم أو توافقتم، فإن ذلك يكون أفضل". قالوا: "ما هو مقترحك؟"، فقلت لهم: "مقترحي أن تعتمدوا الوثيقة الوطنية حول القضية الكردية التي أصدرها المجلس الوطني (صدرت في 2 نيسان/ أبريل 2011 – المحرر)، تعتمدونها أساس التفاوض، وتتفاوضون عليها، فالذي تغيرونه وترون أنه ناقص تزيدون عليه، وذلك حسب التوافق"، قالوا: "حسنًا، نحن قبلنا".
عبد الحكيم [بشار] قال لي صراحةً، وكان موجودًا هو وابراهيم برو، قال: "دكتور، عندنا مشكلة الفيدرالية، فنحن اتخذنا القرار بهذا الشأن، ومن الصعب أن نتراجع"، قلت له: "هذه أيضًا لها حل"، قال: "ما هو الحل؟"، فقلت له: "الحل عندما تناقشون موضوع الفيدرالية، ولا تصلون إلى حل بخصوصها، تقولون: نحن نحتفظ برأينا بخصوص هذا البند. فأنت رأيك [أن تكون هناك] فيدرالية، ورأي الائتلاف ليس كذلك، فتتركونها من النقاط المعلقة". ودائمًا أقول: "نحن أحيانًا نلتقي وهناك 10 نقاط، ونحن متوافقون على 8 نقاط، ولكن هناك نقطتان إشكاليتان، لكن في العقلية الشرقية والسورية تحديدًا نذهب إلى أكثر النقاط خلافية ونبدأ بها، ونفجّر النقاط الأخرى أيضًا. [فلنؤكد] على نقاط التوافق". فقال [عبد الحكيم بشار]: "الكلام سليم".
طبعًا هو كان يعرف أن هناك ضغطًا، وأنا تحدثت مع إقليم كردستان كي يضغطوا عليهم، فقبلوا الموضوع. الآن نحن أقنعاهم وسنأتي بهم، ولكن كيف سنقنع الهيئة السياسية [للائتلاف]؟. جئت إلى الهيئة السياسية، وقلت لهم: "انظروا، إن وفد المجلس الوطني الكردي قادم، وبرأيي أن نتجاوز هذه المسألة"، فقالوا: "ما الحل؟"، قلت لهم: "الحل موجود، لدينا الوثيقة الوطنية للقضية الكردية، فلنعتبرها أساسًا على اعتبار أن المجلس الوطني السوري وافق عليها بكل مكوناته، وكانت المسألة واضحة". [قالوا:] "لكن ليست لدينا فكرة عن الوثيقة"، فطبعت الوثيقة، ووزعتها على كل أعضاء الهيئة السياسية كي يأخذوا موقفًا تجاهها.
أحمد الجربا حصل لقاء بيني وبينه، وكنا نجلس نحن وعبد الأحد اسطيفو، فقلت لهما: "أحمد، على اعتبار أننا من نفس المنطقة، انظروا، إن مفتاح الوحدة الوطنية السورية في الجزيرة السورية، والمكونات التي يوجد بينها مشاكل أيضًا في الجزيرة السورية. وإذا توافقنا فيما بيننا، وقمنا بشيء، فذلك سيؤثر على كل الحالة السورية. انظروا إلى الصدف، نحن الثلاثة الموجودون كل شخص منا يمثل مكونًا، ونحن لدينا نفس الرأي، فلماذا لا نحل هذا الإشكال؟! فقال [الجربا]: "أبو إبراهيم (أي الشاهد – المحرر)، ما هو اقتراحك؟"، قلت له: "اقتراحي أول شيء أن يكون هناك 14 شخصًا (المقصود عدد أعضاء المجلس الوطني الكردي في الائتلاف – المحرر)"، وكان قد أتى أحمد الجربا [رئيسًا للائتلاف]، وكنت قد مهدت لموضوع الـ 14 كثيرًا مع الدول والكتل. قلت له: "14، وبعد ذلك، الشيء الثاني أن نعتمد هذه الوثيقة، وتكون أساسًا للنقاش، والذي نتوصل له يكون جيدًا، وانتهى الأمر". قال: "هذه الوثيقة لم أقرأها"، فقلت له: "يجب أن تقرأها". أخرجناها من الانترنت، وقرأ عدة أسطر، وقال: "أبو إبراهيم، ما هو رأيك بالوثيقة؟"، قلت له: "الوثيقة بكل صدق، ولتكن عندك ثقة، هي وطنية بامتياز"، فقال: "توكلنا على الله"، ولم يقرأها. "ولكن بالنسبة للـ 14، أنا سأقول لك شيئًا"، قال أحمد الجربا، وأضاف: "يا أبو ابراهيم، هل تعرف من تواصل معي وأول شخص هنأني حين أصبحت رئيس الائتلاف؟"، فقلت له: "لا أعرف"، قال: "صالح مسلم"، وصالح مسلم هو [رئيس] الـ"PYD" وعلى أساس أنه ضد الائتلاف، ودائمًا [كان يقول إن] عبد الباسط سيدا في الائتلاف وهو عميل تركيا، وتلك الأسطوانة التي كانوا عادة يتهموني بها، ولكن حين أصبح أحمد الجربا [رئيس الائتلاف] فهو أول شخص اتصل به.
صالح مسلم حصل أكثر من لقاء بيني وبينه، وهو كان يريد أن يتواصل، ولكنهم لا يريدون أن يعلنوا ذلك، فهم براغماتيون إلى أبعد الحدود. قال [الجربا]: "ما رأيك حتى ننتهي، نحضر الكرد وننتهي من هذه المسألة"، وهو ابن المنطقة ويعرف أنها إشكالية، [وأضاف:] "حتى الـ "PYD" إذا كانوا يريدون أن يأتوا في المستقبل فإننا سنحضرهم"، وحينها كانت العملية السلمية بين الـ "PYD" وبين تركيا تتقدم، وأظن أنه في تلك المرحلة التقوا (أي الأتراك) مع صالح مسلم أيضًا، ولم أعد أذكر التواريخ (حدث اللقاء في تموز/ يوليو 2013 – المحرر)، وقال [الجربا]: "حسنًا، المجلس الوطني الكردي سنعطيهم 10 [مقاعد]"، هكذا كان يحدثني الجربا، "والـ 4 نتركها للـ "PYD"؛ لنعطيهم رسالة بأننا لم نغلق عليهم الباب، وإذا وافقوا على أن يأتوا إلى الائتلاف وبالشروط السورية، فإننا سنعطيهم أكثر من 4، فالمهم أن ننتهي من هذا الفيلم". هكذا كان موقف أحمد الجربا.
بعد ذلك ذهبت إلى الهيئة السياسية، وطرحنا عليهم الموضوع، وبعض الناس وافقوا، وأظن أن هادي البحرة كان في الهيئة، وكذلك ميشيل [كيلو] رحمه الله، ولا أعرف من هي الأسماء التي كانت موجودة، وأنا نفسي ربما كنت حينها في الهيئة، ووزعت عليهم [الوثيقة]. وعلى أساس أننا نمهد الأجواء، وأن وفد المجلس الوطني الكردي موجود، وسوف يأتي كي يلتقوا، ولكن مع الأسف، هناك بعض الإخوة في الهيئة السياسية ممن لم تكن لديهم الرغبة [في هذا اللقاء] أن "الأتراك لا يقبلون بالموضوع، ويجب أن نراعي الحساسية التركية"، علمًا أن الأتراك لم يكونوا قد طرحوا الموضوع، فقلت لهم: "حسنًا، إذا كنا الآن متوافقين، فهل [تمانع] الحساسية التركية"؟.
اتصلت مع وزارة الخارجية التركية، وقلت لهم: "غدًا سيكون هناك لقاء بين الهيئة السياسية للائتلاف والمجلس الوطني الكردي. وأنا أريد أن يأتي اثنان من عندكم كمراقبين، ولا يتكلمان أي كلمة، ولكنهما يكونان موجودَين"، وذلك حتى نقطع الطريق على ذريعة بعض الناس -قلت ذلك في نفسي- الذين يعتمدون على الحساسية التركية في سبيل ألا يوافقوا على تلك المسألة. طبعًا الأتراك أتوا وجلسوا، ولم يتكلموا بأي كلمة، وحين حصل التوافق وبدأنا المفاوضات انسحبوا وخرجوا، وهؤلاء الذين كانوا يتحدثون عن الحساسية التركية لم يفتحوا فمهم بكلمة.
لماذا لم أكن في المفاوضات؟ أنا سلّمت الموضوع للائتلاف، ووصلت بالموضوع إلى هذا الاتجاه دوليًا وإقليميًا، وسلّمتهم الأمر، وقلت لهم: "لن أكون في الوفد، شكّلوا الوفد من الطرفين". كانت عندي زيارة إلى كردستان العراق، فذهبت إلى هناك - وأقول ما سأقوله على اعتبار أنها شهادة - وبينما كنت ذاهبًا إلى صلاح الدين، وكان لي لقاء مع الرئيس مسعود [بارزاني]، جاءني اتصال من الائتلاف يقولون فيه: "نحن شكلنا الوفد، والذي سيترأس الوفد هو فايز سارة". لم أوافق على فايز سارة، فالعلمانيون أحيانًا يكون موقفهم بالنسبة للموضوع الكردي غريبًا جدًا ومتشددًا أحيانًا، وقلت له: "يجب أن تحضر نذير الحكيم"، فنذير الحكيم في النهاية من الإخوان [المسلمين]، وإذا توافقوا بين بعضهم فإن ذلك يعني أن الإخوان موافقون ويتحملون المسؤولية وهم في الواجهة. لذلك كان رئيس الوفد نذير الحكيم، وفي الطرف الثاني كان الجانب الكردي، وحصل الاتفاق.
في الهيئة العامة [للائتلاف] حين وصلنا إلى موضوع الوثيقة، وعلى اعتبار أن القرار كان يمرّ [بموافقة] 51٪، نجح القرار، ولكن كانت هناك ضجة وصراخ، فالبعض لا يريدون قبول الموضوع. وبعد ذلك رأينا أنَّ موضوع ثلثي الأعضاء لن يمرّ؛ لذلك تدخلت وطلبت وتحدثت مع أحمد الجربا، وأعتقد أن أبو شادي (جورج صبرة) كان لديه نفس الموقف، فأوقفنا عملية التصويت، وقلنا: نعطي لأنفسنا شهرًا آخر. بطريقة أخرى: الوثيقة كاملة والوثيقة السياسية مرّت لأنه كان هناك 51% من الأصوات [التي وافقت عليها]، بينما [بقيت] قضية ضمّ الأعضاء، فكل عضو جديد للائتلاف يحتاج إلى موافقة الثلثين، وهذه الإشكالية لم نقدر على حلها.
بالنسبة لي كان [مرور] الوثيقة جيدًا، وكانت إشارة إلى أن هناك إجماعًا سوريًا على الموضوع الكردي. وبعد ذلك حاولنا أن نمرّر الأعضاء، كيف مررنا الأعضاء؟ أعطينا شهرًا [مهلة]، وخلاله تواصلنا من جديد مع الجهات الدولية والإقليمية المؤثرة، ومع الكتل، وحتى الإخوان [المسلمين] - للحقيقة والتاريخ - صحيحٌ أن هناك سلبيات كثيرة نسجلها عليهم، ولكن الإخوان فيما بتعلق بالموضوع الكردي سهّلوه، وحتى رياض شقفة جاء مرتين واجتمع مع كتلته، وقال: "عليكم أن تصوتوا للمجلس الوطني الكردي". وتركيا أيضًا من خلال الكتلة التركمانية قالت: "يجب أن تصوتوا للمجلس الوطني الكردي"، وكذلك [فعل] الأخوة الآخرون وميشيل [كيلو]، والوحيد الذي كان معترضًا هو أبو كرم (سمير نشار)، وقلت له حينها: "يا أبو كرم، أنت لا توافق على الوثيقة"، فهو لم يوافق على الوثيقة أيضًا، [وأضفت:] "ولكنني أطلب منك ألا تتحدث ضدها"، فقال: "حسنًا، أنا لن أتكلَّم بأي كلمة"، ولكنه لم يوافق على الموضوع، أما جورج فكان مع الاتفاق ومضى مع الاتفاق. والآن عندما نرى الوضع، فحينها كان وضعًا آخر، بينما الآن وجود المجلس الوطني الكردي داخل الائتلاف هو أفضل للوحدة الوطنية السورية، ولست نادمًا أنَّنا فعلنا ذلك.
في تركيا بالذات كانوا يريدون أن يركزوا على المجلس الوطني الكردي، وكان لديهم هذا التوجه، وهناك استراتيجية كنا نطرحها، وهذه المسألة أيضًا للشهادة والتاريخ، فالأمريكان حينها كانوا يتواصلون معي مباشرة، وكان روبرت فورد الذي يتواصل، وقال: "عبد الباسط، هناك رسالة يجب أن تنقلها إلى الـ PYD، فإذا أرادوا أن يتركوا النظام وأن يحسنوا العلاقات مع المجلس الوطني الكردي والمعارضة السورية، نحن مستعدون لأن نبني علاقة معهم"، بمعنى أنه كان هناك هذا الوزن. واستراتيجيتنا كانت أن نحضر المجلس الوطني الكردي على أساس أنهم يمثّلون [الكرد]، و [نقول] للـ "PYD": "أنتم خياركم إمَّا أن تأتوا إلى الصف الوطني وتنضموا إلى الائتلاف، وتتركوا حزب العمال [الكردستاني]، أو أن تبقوا على خطكم"، ولذلك فإن الحديث الذي دار بيني وبين الجربا كان بهذا الاتجاه.
نقلت الرسالة (رسالة روبرت فورد) للـ "PYD"، ولم يكن اتصالًا مباشرًا مع قيادتهم، وإنما مع صالح مسلم الذي وعد بأن ينقلها، ولا أعرف إلى أين وصلوا. وصالح مسلم عندما أتوا مرة، وكان من المفترض أن يأتوا إلى الائتلاف، قلت له: "صالح، هل أنتم تنوون بالفعل أن تأتوا إلى الائتلاف؟!"، فقال: "وهل نحن نكذب؟!"، قلت له: "ليست قضية أنك تكذب أم لا، ولكن بالفعل نحن فرحون؛ لأننا نحن أيضًا نريد أن ننتهي من هذه المشكلة". وحتى تفهموا الوضع بين أكراد سورية، عليكم بمقارنته مع الوضع الفلسطيني، ففي نفس العائلة هناك شخص في حركة حماس والآخر في حركة فتح، فماذا يفعل الشخص؟! هل يحدث اقتتال داخلي؟! وأنا حاولت مع صالح كثيرًا، ولكن المشكلة كما قلت: إنه واجهة، [وسبق أن قلت له]: يا صالح، ليس إشكالًا في نهاية المطاف حزب حليف لكم هو حزب العمال [الكردستاني]، أمَّا قضية أنكم تابعون له عضويًا، فإنكم تتسببون بإشكالية، وأنتم تعرفون أين هو برنامجه"، ولكنهم غير قادرين، وبقي الأمر بدون جواب، ولكن الأمريكان بنوا العلاقة لاحقًا معهم بشكل مباشر في موضوع "داعش".
موضوع إسرائيل موضوع له تأثير كبير على الواقع السوري، فسورية دولة من دول الطوق، وأي تغيير يحصل في دول الطوق يجب أن يكون لإسرائيل قرار فيه، أظن أن هذا نوع من التفاهم بين الأمريكان وبين الإسرائيليين. أما القول بأن كل شيء يحدث في أمريكا، أو كل خطوة في أمريكا، إسرائيل لها يد فيها، لا أتصور أن الوضع هكذا، بينما بالنسبة لسورية ولبنان والأردن إلى حد ما باعتقادي أنهم يأخذون رأي إسرائيل بعين الاعتبار.
مرة سمعت من خلال بعض الزملاء أن فؤاد العجمي جاء و[سأل]، وذلك في مرحلة الائتلاف: "ما هو استعداد المعارضة لموضوع الجولان؟ هل من الممكن للشخص أن يسوق مع إسرائيل؟". وكنا أحيانًا نسمع [السؤال:] "ما هو الموقف من إسرائيل؟ وما هو الموقف من السلام؟"، وذلك خلال اللقاءات الصحفية، وكان رأينا أننا نعتمد على القرارات الدولية والقرارات الأممية في هذا الموضوع، وبالنسبة للجولان هي أرض سورية محتلة، وهذا واضح بناءً على القرارات الدولية، وفي نهاية المطاف نحن مستعدون لعملية السلام. حاولت أحيانًا مع بعض الإخوة أن نطرح هذا الموضوع، وألا نكون مثاليين وبعيدين عن الواقع؛ لأنه [إذا حدث] تغيير حقيقي في الموقف الدولي بخصوص سورية، فإن إسرائيل لن تكون غائبة عنه، هذا واضح، والنظام يتصرف بناءً على ذلك، وتتذكرون رامي مخلوف وغيره في بداية الثورة، كيف صرحوا بأن أي شيء يحدث ليس لمصلحة إسرائيل. وأتصور أن المعارضة السورية تحت تأثير النزعة النظرية والإيديولوجية إذا صحّ التعبير، وأحيانًا يجعلون أنفسهم مثل النعامة، فيضعون رأسهم في التراب على أساس أنه لا أحد يراهم، بينما الناس ينتظرون [سلوكهم في] هذا الموضوع.
في إحدى المرات عندما أعلن أبو شادي - جورج صبرة انسحاب المجلس الوطني [السوري] من الائتلاف (في 20 كانون الثاني/ يناير 2014 – المحرر)، وذلك عندما أخذ [الائتلاف] قرار الذهاب إلى جنيف (مفاوضات جنيف)، حينها تواصلنا مع بعضنا، حتى إنني تحدثت مع جورج، وأبو بشير (فاروق طيفور) اتصل، واتفقنا على أن أسافر إلى جنيف، وألتقي مع أحمد الجربا كي نحلّ الإشكال. وكنت منذ البدايات قد اتخذت قرارًا عن سابق قصد وتصميم بأنني لا أريد أن أشارك في أي وفد بصفتي مستشارًا أو عضوًا، ولا أريد أن أحضر اجتماعات جنيف، فلم أكن مقتنعًا بجنيف؛ لأنه واضح أنه ليس هناك أي دعم دولي، وفي نهاية المطاف [وكأنهم يقولون لنا]: "اذهبوا، وأنتم وشطارتكم"، وعمليًا لم نصل لشيء. هذه هي الزيارة الوحيدة إلى جنيف [أثناء المفاوضات]، ولكنني لم أحضر اللقاءات والمفاوضات، [بل ذهبت فقط للقاء] الجربا، وحلّ موضوع المجلس الوطني السوري.
دار الحديث حينها بأن نتوافق على أساس إما أن يعتمدوا مسألة مكونات المجلس الوطني السوري؛ لأن المجلس أيضًا كان منقسمًا على ذاته، ففي البدايات كنا نحافظ على كتلة متماسكة داخل الائتلاف، ولكن بعد ذلك ومع الوقت صارت هناك تباينات بين إعلان دمشق وبين الإخوان المسلمين وبين تيار عماد الدين الرشيد، وكذلك الكتل الثانية. [فكان التوافق] بمعنى أن المجلس ليس منسحبًا من الائتلاف، وأن نبحث في موضوع المكونات لاحقًا، بمعنى أن نظهر حتى إعلاميًا أن المجلس موجود مع الائتلاف، هكذا كان التصور.
في تلك الأثناء وعلى الهامش التقيت أيضًا بدبلوماسي أوروبي، فقد كان موجودًا أيضًا [في جنيف]، قال: "منذ زمن وأنا أحب أن ألتقي بك، والآن سنحت الفرصة". تحدثنا، وسألني بعض الأسئلة عن المنطقة، وحتى إنه كان لديهم اجتماع الكور Core Group (هو اللقاء الذي يجتمع فيه ممثلو الدول المنخرطة في الشأن السوري – المحرر)، وجاءت مساعدته وقالت له: "بدأ الاجتماع"، فقال لها: "لا، أنا أريد أن أكمل النقاش مع عبد الباسط، ولكن أنتِ اذهبي إلى الاجتماع بدلًا عني"، وأكملنا. الحديث كان ممتعًا، وهو مطلع على واقع المنطقة، وعلى لبنان وسورية، وبعد ذلك قلت له: "حسنًا، أنت سألتني عدة أسئلة، فهل تسمح لي أن أطرح عليك سؤالًا واحدًا؟"، قال لي: "تفضل"، قلت له: "طالما أنكم تسافرون إلى إسرائيل، وتذهبون وتأتون"، فقال: "قبل أسبوعين كنت في إسرائيل"، قلت له: "ما هو رأيهم بالنسبة للنظام وبالنسبة للموضوع السوري؟"، فقال: "رأيهم بكل وضوح: إنه لا يوجد أفضل من هذا النظام بالنسبة لنا في الظروف الحالية. بمعنى نحن نعرفه، ونعرف أنه لا يستطيع أن يفعل شيئًا تجاهنا؛ لذلك لا نريد أن نغامر بالتغيير"، فكان الموضوع واضحًا.
كان رأيي أن يُطرح هذا الموضوع بطريقة من الطرق، سواءٌ مع الأمريكان أو مع الأوروبيين أو حتى مع بعض الدول العربية، إذا كنا نريد أن نصل للتغيير في سورية، ولكن مع الآسف كان نوعًا من "التابو" الذي ليس بإمكان الشخص أن يقترب منه؛ لذلك هذا الموضوع توقف عند حده. الكل يشعر بأهميته، والآن نحن نتكلم عن موضوع [باراك] أوباما وأنه لم يتدخل، وسبق أن تناقشت مع بعض الزملاء في المجلس الوطني منهم بسمة [قضماني]، فكانت وجهة نظرهم أن الأمريكان لا يريدون أن يتدخلوا، بينما أتصور أن إسرائيل كان لها دور كبير في هذه المسألة.
الموضوع حساس وشائك، وكثيرًا ما يزاودون به، وتكون النزعة شعبوية، ولكن في نهاية المطاف ندرس عند بعض القبائل أنه أحيانًا تكون بعض المسائل محرمة على الفرد الواحد، ولكن في الحالة الجماعية وعندما تلتقي القبيلة ويقدمون على هذا التصرف، أو يأكلون من حيوان معين، من الطوطم مثلًا وهو رمزهم، فربما في هذه المناسبة يقدمون على شيء لا يقومون به في الأحوال الفردية. بمعنى حينها لو كانت المعارضة منفتحة، كانت ستبحث في الموضوع، وستسمع وجهة نظر الجانب الآخر حول ما يقوله في سبيل الوصول إلى حلول، فالموضوع الإسرائيلي شئنا أم أبينا موجود في المنطقة، وهناك الآن الانفتاح العربي الذي يحدث [مع إسرائيل]، وإذا لم أقل كل الدول العربية، فغالبية الدول العربية لها علاقات مع إسرائيل، إما علنية أو سرية.
طبعًا هذه وجهة نظري منذ زمن، وقبل عمليات التطبيع الأخيرة، ولكن المشكلة التي تحدث أنه متى يكون الجو مناسبًا ليعلنوا عن هذا الموقف دون أن يحسبوا حساب شعوبهم، بينما هناك بعض الناس يتاجرون بهذا الموضوع، فالآن النظام يتاجر بموضوع إسرائيل، وحزب الله في لبنان كان يتاجر بموضوع إسرائيل، هذه المسألة واضحة. الفلسطينيون لا أعرف ما هو وضعهم الآن، حاليًا هم أيضًا موزعون ومبعثرون، وبالنسبة لسورية حدثت مفاوضات بينهم وبين إسرائيل، وهناك تفصيلات ربما لم نتابعها، وقد يكون لوليد المعلم دور كبير، وكذلك فاروق الشرع، ورئيس الأركان ربما شارك في فترة من الفترات، وكان هناك مؤتمر مدريد (في تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1991 – المحرر).
في مرة من المرات عرضت هذا الموضوع على أحد الأصدقاء الذين أثق بهم، وكان ذلك بيني وبينه، وكانت المبادرة من عندي، فقلت له: "نحن يجب أن نفكر بشكل جدي في الموضوع، موضوع إسرائيل، فإذا لم ندرسه بعمق لن نصل إلى شيء"، رأيت لونه قد اصفرّ واحمرّ، وكأن عندي مبادرة أو قادم من جهة، علمًا بأنه لم يكن هناك شيء من هذا النوع. نعم، رأيت حينها أن الموضوع صعب.
[بالنسبة] لآليكسي (آليسكي يرخوف – السفير الروسي في أنقرة) فإن الإخوان المسلمين هم أكثر من كانوا يتواصلون معه، وكان أبو بشير (فاروق طيفور) تحديدًا يلتقي مع أليكسي بين فترة وأخرى، وطلب فاروق طيفور في إحدى المرات أن نكون موجودين، وأظن أننا التقينا بآليكسي أكثر من مرة، طبعًا على اعتبار أنه يجيد اللغة العربية ومطّلع على الثقافة العربية، وأننا يجب أن نصل إلى حل بطريقة من الطرق، ولم يكن يظهر أنهم مع النظام على طول الخط. وأذكر اليوم الذي ذهبنا فيه إلى موسكو حين كنت رئيس المجلس [الوطني] (كانت الزيارة في 11 تموز/ يوليو 2012 – المحرر)، حيث قابلت [سيرغي] لافروف، والتقينا أيضًا به، [وقال]: "أتأمل أن تصلوا لشيء واقع وملموس ولمصلحة الشعب"، وأظن أنه حينها أيضًا دار حديث بأن موضوع إسرائيل في نهاية المطاف موضوع مهم في المنطقة. ونحن من عندنا لم تكن هناك مبادرة، ولم يكن هناك طرح، فهذا الموضوع هو نوع من "التابو" الذي لا يتحمّل أحد مسؤولية الاقتراب منه أو طرحه، فقد كنا في فترة تتأثر كثيرًا بالمزاودات والشعارات.
وفي موضوع بسمة [قضماني]، عندما نشروا عنها موضوع إسرائيل وهذا التسجيل الذي سجلوه لها [من برنامج تلفزيوني فرنسي – المحرر]، حينها كنت رئيس المجلس [الوطني]، وتواصلت مع الدكتور برهان غليون، وقلت له: "أنا لا أعرف بسمة، أنا عرفتها من خلال الثورة ومن خلالكم، وإذا كان هناك شيء بخصوص هذا الموضوع وإذا كان هناك اتهام، فإن موضوع الموقف من إسرائيل هو موضوع وطني في نهاية المطاف، ونحن ملتزمون بتلك الالتزامات الوطنية. وحينها هو أشاد ببسمة، وقال: "أنا عرفت بسمة من خلال الحركة الوطنية الفلسطينية، وهذه الاتهامات ليس لها أي أساس من الصحة"، ولكن مع ذلك تلك الحملات على بسمة استمرت، واستُغلت كما تعرفون.
بالنسبة لبسمة، وبعد أن حدثت هذه الحملة، أي قضية التسجيل وأنها صرحت بأن وجود إسرائيل ضرورة، طرحت الموضوع على بسمة نفسها، وقلت لها: "لماذا تصرفتِ [هكذا]؟!"، لأن التسجيل واضح، فقالت لي: "حسنًا، ماذا أفعل؟!"، وكانت متأثرة، وقالت: "ليست لدي خبرة، وليست لدي تجربة مباشرة في هذا المجال، وطُرح السؤال عليّ مباشرة: هل وجود إسرائيل ضرورة أم لا؟ لذلك قلت: وجودها ضرورة في المنطقة". وهذا الموقف على ما يبدو كان يُثار بين فترة وأخرى.
كنت قد وضعت في ذهني أن تكون بسمة مسؤولة العلاقات الخارجية بشكل رسمي, ولكن الضربة جاءت حين قاموا بهذا الموضوع مع بسمة (إنهاء عضويتها في المكتب التنفيذي للمجلس الوطني خلال لقاء أمانته العامة في الدوحة في 26 تموز/ يوليو 2012 – المحرر)، فكانت الضربة قاصمة جدًا، وأظن أن العلاقات قليلًا بدأت تتفتت ضمن المجلس الوطني السوري الذي كنا معتادين فيه على التوافق والتراضي. رأينا أنهم فجأة عقدوا اجتماعًا فجائيًا وغير متوقع في الدوحة، وطرحوا [قائلين] "إننا نريد أن نغير بسمة"، ومع الأسف صار هناك تحالف بين برهان وبين الإخوان [المسلمين]، وكانت هذه المسألة واضحة. وبعد هذه الخطوة صاروا يريدون أن يقدموا برهان على أنه مسؤول العلاقات الخارجية، وطبعًا برهان نفسه طلب مني [ذلك]، وأيضًا من خلال الإخوان، وأنا رفضت هذه الخطوة، وقلت: "هناك شيء خاطئ قد حصل، وأنا لا أريد أن أكافئ الذي ارتكب الخطأ".
قناعتي فيما يخص موقف الروس أو التعامل مع الروس، وكأنه كان مطلوبًا منا أن نصل إلى حل مع روسيا، ونقنعهم في الوقت الذي كانوا يقولون فيه إنهم كلهم قد عجزوا عن إقناع الروس، أي [أن يتم ذلك] بمنطق الإقناع. والدول الثانية لو أنها ساعدت، أعتقد أنه كانت هناك مفاتيح قد تساعد، ولكنك بمفردك عليك أن تذهب وتواجه الروس. وطبعًا قبل ذلك كان هناك الكثير من المناقشات: هل نذهب أم لا؟ وفي نهاية المطاف اتخذنا القرار بأننا سنذهب إلى روسيا. وأذكر أنه استقبلنا وزير خارجية ألمانيا حينها [فرانك فالتر] شتاينماير، وكان يريد أن يلتقي بنا في اسطنبول، فالتقينا به، وبعد حديث قال: "أنا قادم من روسيا، وبرأيي أن تذهبوا إلى روسيا"، قلت له: "حسنًا سنذهب، ولكن برأيك هل سنستفيد شيئًا إذا ذهبنا؟"، فقال: "لا أتوقع"، بمعنى اذهبوا حتى تقطعوا الحجّة.
ذهبنا على هذا الأساس، حتى إننا قبل أن نذهب إلى هناك مهّدنا للموضوع، ففي البداية أرسلنا وفدًا تقنيًا ضمّ الدكتور نجيب غضبان والدكتورة بسمة، وكان هناك الدكتور محمود حمزة، فانضم لهما، وقلنا لهم: "اذهبوا والتقوا مع بوغدانوف (ميخائيل بوغدانوف نائب وزير الخارجية الروسي – المحرر)، وبعد ذلك سنذهب ونلتقي مع [سيرجي] لافروف". الوفد الذي أخذناه كان وافدًا كبيرًا ومؤثرًا، ضمّ الدكتور برهان ورياض سيف وجورج صبرة والدكتور منذر ماخوس، بمعنى كانت هناك مجموعة من الأسماء لها وزنها في الساحة السورية، وكانت بسمة قضماني أيضًا موجودة، ومحمود حمزة وعبد الأحد [اسطيفو].
ذهبنا، لافروف عندما جاء [تحدث] بطريقة عامة، ولكن في نهاية المطاف [قال]: "أدعو السوريين للتوافق معه (مع النظام)"، ولكن هذا أيضًا مصطلح عام، فالنظام يضرب ويقصف السوريين، وعليهم أن يتوافقوا معه! ألا تريد أن تعطي فرصة للسوريين حتى يتوافقوا مع بعضهم؟! والسؤال الذي يجب أن يُوجه له، من سيتوافق مع من؟! فالنظام يقتلك بكل أنواع الأسلحة. وأنا ذكرت له مباشرةً في بداية اللقاء، وقلت له: "السوريون يُقتلون بالسلاح الروسي، وفي هذه العمليات روسيا هي التي تتحمل المسؤولية الأخلاقية والمسؤولية القانونية"، فقال: "هذه [الأسلحة] بناءً على العقود القديمة"، قلت له: "بإمكانكم أن تخبروهم أنه بناءً على العقود القديمة هذا السلاح أعطيناه لكم كي تدافعوا عن أنفسكم، وتدافعوا عن البلد، لا أن تقتلوا به شعبكم، فأنتم بإمكانكم أن تتدخلوا".
وبعد ذلك حاولنا أن نجامل، [وتحدثنا] عن العلاقات وأننا جغرافيًا قريبون من بعضنا، فأمريكا بعيدة بينما روسيا قريبة، وهناك علاقات قديمة بيننا وبين الروس، وهناك دم مشترك، فالكثير من السوريين تزوجوا من روسيات، ودرسوا في روسيا وفي الجيش [هناك ضباط ممن درسوا أو شاركوا في دورات في روسيا]، تحدثنا كثيرًا، ولكنهم بتصوري كانوا قد اتخذوا قرارهم. وإذا ربطنا ذلك مع شهادة مام جلال (جلال طالباني) التي كنت قد سمعتها من أطراف ثانية [قائلًا] إنهم كانوا قد اتخذوا قرارهم، وخاصةً بعد موضوع ليبيا، بأن النظام في سورية يجب ألا يسقط، وأنهم سيدعمونه؛ ولذلك لم نخرج بنتيجة.
في ذلك الاجتماع مع الروس صرنا نتحدث، وأنا أيضًا تحدثت وقلت: "إن الشيء الحاصل في سورية هو ثورة، وليس خلافًا بين معارضة ونظام"، فهم كانوا في هذا الاتجاه الثاني، بمعنى أنه بشيء من التوافق [نحلّ المسألة]، وحينها كان هذا الموضوع مرفوضًا بشكل نهائي، وقال [لافروف]: "إذا كنتم تفكرون بتلك الطريقة فهذه كارثة". وقال كلامًا آخر، لم أعد أذكره بالتفصيل، لكن أعتقد أنه كان أيضًا عن الثورة، فتحمّس رياض سيف كثيرًا، وقال: "كلامك هذا كله مرفوض جملة وتفصيلًا"، وقال ذلك بانفعال، وهو حين سمع ذلك انتفض مباشرة ووقف على قدميه، ونظر في ساعته، وقال: "عندي لقاء مع الرئيس [فلاديمير] بوتين". وهكذا فشل الاجتماع، ونحن رأينا هذا الجو العاصف، ولكننا إذا خرجنا بهذه الطريقة فإن الوضع سيكون تعيسًا جدًا. حينها ضحكت قليلًا، وقلت له: "لا إشكال، لديك لقاء مع بوتين وأنت ستذهب لأنك ملتزم به، فهل تسمح لنا بأن نكمل الاجتماع مع بوغدانوف؟"، فابتسم وقال: "أكملوا". أكملنا الاجتماع بهذه الطريقة، طبعًا لم نصل إلى شيء، ولكن حاولنا أن نرطّب الأجواء قليلًا.
عندما خرجنا فيه من وزارة الخارجية، والصورة لا تزال موجودة في الأرشيف، كنت خارجًا بوجه عبوس جعل بعض الناس يعلقون قائلين: "نتائج الاجتماع واضحة"، فقد كان الاجتماع سيئًا جدًا ومخيبًا للآمال مع الأسف. بعد ذلك حين ذهبنا إلى موقع وكالة نوفوستي، عقدنا مؤتمرًا صحفيًا، وكنت أنا والدكتور برهان، وتحدثنا بصراحة عن الذي حصل، وأننا لم نصل إلى شيء.
الروس في البدايات كانوا يقولون: "لسنا متمسكين ببشار، فهو في نهاية المطاف لا يحمل جنسيتنا"، وكأنهم كانوا يغمزون من قناته بأنه حائز على الجنسية البريطانية، ولا أعرف إذا كانت لديه أم لا، وأكثر من مرة سمعتها منهم، ومن بوغدانوف خاصةً، حيث كان يقول: "إنه لا يحمل جنسيتنا، والذي يتوافق عليه السوريون بالنسبة لنا ليس لدينا مشكلة فيه"، هكذا كانوا يقولون. وأذكر في حديث آخر طالما أننا تجاوزنا الإطار الزمني قليلًا، أظن أنه كان في باريس، وكان جورج رئيس المجلس، التقينا مع بوغدانوف أيضًا، وقلت له: "ميخائيل، أريد أن أطرح عليك عدة أسئلة مباشرة". قلت لهم: "هل تريدون سورية أن تتقسم أم لا؟"، قال: "لا، لا نريد التقسيم"، وقلت: "هل تريدون ألا تحصل في المستقبل مذابح بحق العلويين؟"، أجاب: "طبعًا لا نريد"، وطرحت عليه سؤالًا آخر، ثم قلت لهم: "حسنًا، تمسككم ببشار الأسد يؤدي إلى كل تلك المسائل، فلماذا أنتم متمسكون ببشار؟! نحن الآن وبالنسبة للعلويين نرى أنهم جزء من المجتمع الوطني السوري، ونحن نحافظ عليهم أكثر منكم، ونحن نضمن بعضنا، ووحدة سورية نحن نحافظ عليها. أمَّا هذا الإنسان فقد أصبح عقبة، ودمر البلد عمليًا".
كنا نشعر أن بوغدانوف متفهّم، ولكننا وصلنا إلى هنا في نهاية المطاف. والطرفة التي حصلت في روسيا: في برنامج زيارتنا كان مقررًا أن نلتقي بالكنيسة الأرثوذوكسية الروسية، وأن نلتقي أيضًا بالمفتي العام للمسلمين في روسيا، وبعد ذلك أخبرونا أنَّهم في الكنيسة غير جاهزين ولم يستقبلونا، وهذه أيضًا من الأخطاء التي يجب أن نتعلم منها، وأظن أنَّه كانت هناك مفاتيح لنلتقي مع الكنيسة. في هذه الزيارة ليست مشكلة أنهم لم يستقبلونا، ولكن كانت هناك إمكانية، ولم نتابع هذه المسائل، وهناك الكثير من المسائل التي أضعناها مع الأسف. بخصوص المفتي حين ذهبنا أيضًا المفتي لم يكن موجودًا، وكان نائبه موجودًا، وهناك مجموعة من رجال الدين. استقبلونا بحفاوة وعلى أساس مسلمين، وبدأنا نتحدث حول ما يحدث للسوريين، وأنهم يُقصفون: نساء وأطفال، وتحدثنا عن [عمليات] الاغتصاب، ودمعت أعينهم تقريبًا من تلك المسألة، وكان [نائب المفتي] يكتب وينظر لمن حوله للتأكد من أنهم يستمعون للحديث، وبعد أن وصلت إلى النقطة التي شاهدت فيه تأثره الكبير، قلت له: "ولكن لا تنسَ أن كل هؤلاء يُقتلون بالسلاح الروسي"، فوضع القلم، ولم يعد يكتب كلمة واحدة.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2022/03/26
الموضوع الرئیس
الحراك الكردي في سوريةالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضةكود الشهادة
SMI/OH/88-09/
رقم المقطع
09
أجرى المقابلة
إبراهيم الفوال
مكان المقابلة
باريس
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
2012-2013
شخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
المجلس الوطني السوري
جماعة الإخوان المسلمين (سورية)
حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)
المجلس الوطني الكردي
وزارة الخارجية التركية
الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية
حزب العمال الكردستاني