الإحالة لمحكمة الجزاء الأولى في قطنا وتهديد رستم غزالي
صيغة الشهادة:
مدة المقطع: 00;14;19;55
كان فرع التحقيق العسكري مزدحمًا وغير نظيف، ورغم أنَّني أمضيت في السجن ثماني سنوات سابقًا، لم أرَ القمل، وفي عشرين يومًا في فرع التحقيق العسكري، كان القمل يسري على جسدي، وحين يطلع القمل على الجدار مثل أسراب النمل، واعتقدت أنَّ إحدى البطانيات فيها شيء ما، وطرقت على الباب، وجاء مدير السجن، وقلت له: أخبروهم أن هناك قملًا في السجن في هذه البطانيات، وربما ينتشر على بقية الأمكنة، ونظر إليَّ، وقال: "بالله يمكن ينتشر بطمنك هو منتشر في كل مكان". كان الأمر فيه استهانة، ويخجلك، ويؤلمك، وتحتار ماذا تشعر تجاهها. وبعد ذلك حملونا إلى مراكز في الشرطة العسكرية، ومن هناك إلى المحكمة العسكرية، كانت دورات إدارية، وكانت الميزة أنه في كل مكان أذهب إليه ألتقي بشباب الثورة، وبدأت أرى شباب الثورة من البعيد: من إدلب، وريف حلب، وحلب، وريف حماة، وكان المشهد الوحيد لدينا أنَّ الثورة مستمرة والنصر لا بديل له، وكانت القضية واضحة عند الجميع.
[فيما يتعلق بالطعام] كان السجناء يأكلون من أنفسهم، ولم تكن القضية وضعها مطروح، وخاصة أنَّنا كنا ننتقل من مكان لمكان، وكان في كل مكان يصبح لديك أمل بإخلاء السبيل، فعندما تنتقل فالمفروض أنها خطوة نحو الخروج، ولكنها تمتاز عن الفترة الأولى أنَّ هنا يوجد عنف مورس، وهناك انكشاف وتعبير عن الوجه الطائفي، وأنَّ هناك سلاحًا بدأ يدخل للمعادلة بشكل واضح. وبعد ذلك كان القرار أن حولونا لمحاكم وكل شخص في منطقته، وحولونا نحن (المعتقلين من قطنا) لمحكمة الجزاء الأولى في قطنا. وذهبنا في السيارة حوالي7 أو 8 أشخاص، وكلهم من منطقة قطنا، ولكنني الوحيد من المدينة، وفي الطريق من دمشق إلى قطنا، اشتريت من الشرطي الذي نقلني في السيارة مخابرة (اتصالًا هاتفيًا)، وطلبت أن أتصل بأهلي للقاء بي في المحكمة لأنهم لا يعرفون أين أنا، وأخذت الهاتف من الشرطي، واتصلت بأهلي وقلت لهم: اذهبوا لملاقاتي عند المحكمة، وأنا سأتحول إلى المحكمة الآن. وفعلًا، رأيتهم هناك، وذهبنا إلى المحكمة متأخرين، وكانت القاضية قد ذهبت، ولا بد من أن ننام في سجن قطنا لليوم التالي من أجل أن نتحاكم.
أخذونا إلى المخفر، والمخفر فارغ، وأنا كنت مضيف الشباب، وأنا من قطنا، وأنا كبير القوم في العمر، وأنا السياسي وصاحب الخبرة في القضايا، والسجن في قطنا، ونحن في فصل الصيف، وله في الخارج مثل الشرفة، وعليها عريشة كثيفة. وضعنا الفرش، وجلسنا نتكلم ونتعشى، وننتظر المحكمة غدًا، والمحكمة في النهاية تعطي آمالًا كبيرة بالإفراج، وبالنسبة لي لم يكن هناك احتمال الإفراج، وكان افتراضي أنها ستحكمني، وسأذهب إلى سجن عدرا أو صيدنايا، المكانان اللذان أعرفهما، ولذلك طلبت من أسرتي: تعالوا إليَّ إلى المحكمة، واجلبوا لي ملابسًا. لأنه شبه مؤكد لدي أنني سأذهب إلى هناك. ونحن جالسون ونتحدث ماذا يمكن أن يحدث غدًا، ونتكلم عن بشار الأسد ننتف ريشه (نتحدث عنه بكل ما هو سيئ)، وإذا بصوت من فوق العريشة في الليل ونحن لا نراه، يصرخ من الأعلى: من الذي يتكلم هذا الكلام ليريني وجهه؟ فسكتنا جميعًا، إذًا هناك من ينصت لحديثنا، ولم نتوقع أنَّ حراس الشرطة موجودون على الأسطح. صمتنا وكل الوجوه نظرت لي، وكأنهم يقولون: تفضل، تكلم. وبعد دقيقة صمت، قلت له: أنا تكلمت، ماذا تريد من أشخاص يحبسهم بشار الأسد أن يقولوا، وغدًا هناك محكمة، وما يقوله القضاء فنحن نقبله. صمت ثم قال: هل هناك أحد منكم يدخن؟ فقلت: يوجد بيننا مدخنون، ولكن ليس لدينا دخان. ورمى من العريشة "باكيت" دخان وكبريتًا، وفهمنا الموضوع، وفهمنا الرسالة الواضحة، فألغينا الأحاديث، ودخّن الشباب، وهو لم يرَ وجهنا ونحن لم نرَ وجهه. وفي سنة الـ 2013، حين أصبحت رئيسًا للمجلس الوطني، وكنا نزور باسم المكتب التنفيذي مخيمات اللاجئين في جنوب تركيا، وأذكر في مخيم "نزب" وفي داخل المسجد حيث خطبت باللاجئين، وتكلمت عن أوضاعهم والآفاق، وقدمنا ما نستطيع من مساعدات وفق مهمتنا كمكتب تنفيذي للمجلس الوطني، وعندما كنت خارجًا يتقدّم مني شاب، ويقول: هل عرفتني يا أستاذ؟ قلت: لا ولله، لا أعرفك. قال: هل تذكر شرطيًا فوق العريشة في مخفر قطنا؟ قلت: أنت! قال: أنا ذلك الشرطي، انشققت بسببكم بعد أن سمعت أحاديثكم وذلك بعد شهرين، والآن أنا موجود في المخيم بين اللاجئين.
في اليوم التالي، ذهبنا إلى المحكمة، وكانت القاضية شابة دمشقية لا تتجاوز الـ 35 من العمر، ولكن كل هيبة القاضي المفترضة موجودة فيها، وشاركني في الجلسة المحامي خليل معتوق، ونحن متعودون على وقوفه إلى جانبنا من أيام سجننا الماضي وأيام نشاطات "ربيع دمشق" - ليذكره الله بالخير، ويردّه لنا بالسلامة- وفتحت [القاضية] الإضبارة وقالت: أنت متهم بتشكيل إمارة إسلامية في قطنا. قلت لها: يا أستاذة، حين تريدون أن تُلبسوا شخصًا تهمة يجب أن يكون هناك تهمة معقولة، لم يرَ المسلمون أحد المسلمين فسلموا الإمارة لمسيحي! وقالت: أنا أريد أن أسألك فقط. ثم قالت لي: أنت متهم أيضًا بأنك تدعو الأجانب للمشاركة في المظاهرات ومشاهدتها، وتعني زوجة السفير الفرنسي (إيريك شوفالييه)، وطبعًا أكدت لها أنَّني لا أعرف السفير الفرنسي ولا زوجته، وأن هذا لم يحصل. كان الكاتب يكتب، وبعد ذلك قالت: أنا تركتك. أنا لا أعرف معنى هذا التعبير القضائي، ورأيت خليل معتوق قد أغلق الدفتر وابتهج، اقتربت منه وسألته: إلى أين؟ إلى [سجن] صيدنايا أم عدرا؟ قال: إلى البيت، فقد قالت: تركتك يعني تذهب إلى البيت، وإذا كانوا يريدون أن يقوموا بمحاكمة فيعودون، ويقيمونها فيما بعد.
وعندها فهمت هذا الوضع.. وفي النهاية، تسألني القاضية: هل تريد أن تقول شيئًا آخر في المحضر؟ قلت: نعم، أريد أن أقول أنني لأول مرة أشعر بهذا الفخر أنَّ هناك سيدة شابة من بلدي لديها مكانتها كقاضية أكثر من كثير من الرجال وأصحاب الشوارب، وأنَّها تحترم القانون، وحافظة القانون، وصدقيني أعطيتني أملًا في سورية مثلما تعطيني هذه الثورة.. وابتسمت، وخرجنا، وكان أهلي على الباب، فقد تمّ إخلاء سبيلي، وهم كانوا قد جهّزوا أنفسهم، وهناك مجموعة كبيرة من الأقارب، وإذا بصديق اسمه أبو أيمن من قطنا آتٍ بسيارته، وقال: لا أحد يأخذ أبا شادي إلى المنزل غيري. وفعلًا، أخذني أبو أيمن، وفيما بعد استُشهد أبو أيمن، حيث اغتاله الأمن على باب منزله في قطنا. وأُطلق سراحي، وكان إطلاق سراحي انتصارًا مختلفًا عن كل الأوضاع السابقة؛ لأنَّ وهج الثورة مازال قائمًا، ولم ندان بأي شيء، وعلى العكس، أصبح هناك إحساس لدى الفريق المؤيد للثورة في كل المنطقة أنَّنا بخير، وبدأت الزيارات إلى البيت، وكانت وفودًا في الباصات (الحافلات) من القرى، لتأتي، وتلقي التحية، وكيف كانت التعزية بالشهداء، أصبح هناك مشاركة من شكل آخر، وهي مشاركة في زيارة الذين خرجوا من السجن. كانت عناصر الأمن تقف أمام الباب، وتسجّل رقم كل سيارة تقف عند الباب، والناس جاؤوا بالباصات (الحافلات)، فبعضهم عندما ينزلون يذهبون إلى الأمن، ويقولون لعناصر الأمن: هل أخذتم رقم السيارة أم نعطيكم إيَّاه؟ لأن حاجز الخوف كُسر، وكان الموضوع والأحاديث كلها كيف سننتقل ونستمر في طريق الثورة بأمان. وأذكر من أهم الوفود التي زارتني كان هناك وفد من نقابة المحامين في دمشق (أكثر من20 محام)، ومحامون من طرطوس، وسياسيون من دمشق وزملائي الذين أعرفهم في الاتجاهات السياسية، ومن كل الجهات، لأنه كان شكلًا من أشكال التعبير عن كوننا مستمرين في موضوع الثورة ومطلوب أن نحمي أنفسنا، ونحتفي بأنفسنا والحرية بهذا الشكل، وحتى أن بعضهم لا أعرفه أبدًا أعطاني مفاتيح الشقق، وقال: إذا احتجتها فإنها موجودة. ومن محاسن الصدف أنَّي احتجتها فيما بعد، واستخدمتها أيضًا.
أتى ميشيل كيلو ووفد كامل، وأتى حسن عبد العظيم مع بسام الملك، وكنت مندهشًا أنَّ هذا الرجل ما صلته بالمعارضة؟ فقال لي: أصبح معنا. هو وبسام الملك زاراني.
رسالة رستم غزالي الأخيرة: "لم يعد لك سجنًا لدينا يا جورج" كانت مفهومة بالنسبة لأصدقائنا في المعارضة والحزب (حزب الشعب الديمقراطي) أنَّه سيكون هناك محاولة تصفية بشكل ما؛ لذلك الأفضل العودة إلى الحياة السرية، وهذا ما حصل، وأخذت زوجتي، وذهبنا إلى دمشق، واستأنفنا حياة السرية والملاحقة من جديد.
معلومات الشهادة
تاريخ المقابلة
2020/07/23
الموضوع الرئیس
التعامل الأمني والعسكري لنظام الأسدكود الشهادة
SMI/OH/56-38/
أجرى المقابلة
سهير الأتاسي
مكان المقابلة
باريس
التصنيف
سياسي
المجال الزمني
8-9/2011
updatedAt
2024/11/15
المنطقة الجغرافية
محافظة ريف دمشق-منطقة قطنامحافظة ريف دمشق-مدينة قطنامحافظة دمشق-مدينة دمشقشخصيات وردت في الشهادة
كيانات وردت في الشهادة
المجلس الوطني السوري
حزب الشعب الديمقراطي السوري
فرع التحقيق في المخابرات العسكرية 248
نقابة المحامين في دمشق
المحكمة العسكرية في دمشق - نظام
محكمة الجزاء الأولى في قطنا
سجن قطنا