تحقيقي كان بسيطًا، وبعد ثلاثة أيام في فرع أمن الدولة، نُقلت أنا وفايز سارة إلى سجن عدرا، وكنت أنا وفايز سارة في سيارة واحدة. وفي سجن عدرا، استُقبلنا كالعادة لأنه سجن مفتوح ومعروف، دخلنا إلى الجناح أ، وهناك في سجن عدرا بدأنا نشاهد الثورة في الأماكن الأخرى، فعلى الأرض في الخارج كنت أراها في المواقع الموجودة حولي، وفي عدرا، أصبحت أراها في الأماكن الأخرى، وفي سجن عدرا في الباحة أ، أصبحت أرى حوران، وعشرات الشباب المعتقلين من درعا وبقية مناطقها، ومن ريف دمشق، ومن دوما، ومن وادي بردى، وطبعًا هناك أيضًا بعض المعتقلين من مدينة دمشق؛ لأنَّ الحراك بدأ في مدينة دمشق، وبعضهم من أماكن بعيدة، من دير الزور والأماكن الأخرى، فبدأنا نرى صورة الثورة في الأماكن الأخرى، وكان في استقبالنا هناك المعارض المعروف حبيب صالح، وهو ابن الطائفة العلوية ومعارض تاريخي، وكان موجودًا في السجن منذ وقت قبل الثورة بسبب نشاطات معارضة من هذا النوع، فاستقبلنا في نفس المهجع، وكان هناك ازدحام وبالكاد يجد السجين فراشًا ووسادة. 

المهجع الواحد كان فيه 30 إلى 40 [شخصًا]، والمهجع هو غرفة مساحتها ستة إلى سبعة أمتار في أربعة [أمتار]، وفيه أسرّة وفيه أشخاص على الأرض، ومن الطبيعي أن تكون المهاجع في سجن عدرا ليست للسياسيين وشباب الثورة فقط، فهناك سجناء جزائيون وجنائيون مرتكبون [للجرائم] وموجودون هناك، وهناك من يقضي سنوات طويلة في السجن، ومنهم من هم رهن المحاكمات. في سجن عدرا، شاهدنا حبيب صالح، وكنا معه في المهجع، ولكن كان هناك عدد من شخصيات المعارضة، كان علي العبد الله في السجن، وكان كمال اللبواني، وأنور البني، ووليد البني وآخرون، وحتى أستطيع رؤيتهم فهذا يتم في يوم الجمعة مع صلاة الجمعة، فعندما يخرج المسلمون إلى صلاة الجمعة ويتوضؤون، كنت أخرج معهم إلى الصلاة. ونذهب إلى الباحة الكبيرة لصلاة الجمعة، فيأتي الشباب الآخرون من الساحات والمهاجع الأخرى، ونلتقي هناك تحت عنوان: صلاة الجمعة، ونتبادل الرأي والأحاديث، وخاصة أننا قادمون جدد، فالجديد يجدّد معلومات القديم في الموضوع.

كان معروفًا في سجن عدرا في يوم الجمعة وبعد صلاة الجمعة أن لدينا نحن السياسيين حلقة نقاش بين القدماء، وكان معظمهم مسجونًا قبل الثورة، وبيننا نحن الذين أتينا من نفس الفريق السياسي، ولكن أتينا بعد الثورة. وكانت التحليلات تبدأ على المآل والمصير، وماذا يمكن أن يحدث، وتبدأ التباينات في وجهات النظر والاختلافات الكبيرة حيث التأثيرات متنوعة، وأذكر في ذلك الوقت أنه كان هناك حديث جدي وجدال بين كمال اللبواني ووليد البني حول: من سيصبح رئيس الجمهورية قبل [الآخر]؟ 

 وفي الساحة، تعرفت هناك على مشعل تمو، وكان موجودًا في أحد الأجنحة التي يوجد فيها نافذة فقط بين الساحة وبينه، وكان مشعل يأتي إلى النافذة مرتين في اليوم، وأخرج أنا وفايز إلى أمام النافذة، وينقل لنا الأخبار المتواترة يوميًا؛ لأنَّ مشعل لديه راديو، ولديهم وسيلة اتصال في الخارج، لأنَّهم سجناء قدامى، وقاموا بترتيب العلاقة مع السجانين، وكان يأتي لنا بالأخبار من مختلف أنحاء البلد. وفي ذلك الوقت، تعرّفت على مشعل تمو بوجهه، وهذا المشعل الكردي المضيء فعلًا، وبكل أسف ويحزنني أنَّني لم أستطع أن أقابله في الخارج في سورية وجهًا لوجه؛ لأنَّه حين خرج سارع الإرهاب إلى قتل مشعل التمو، ومشعل كان يستحق الحقد من الإرهابيين والفئويين؛ لأنَّه كان صوتًا وطنيًا حقيقيًا بامتياز وصارمًا- رحمه الله- كان مشعل يدلنا على معالم الثورة التي تتصاعد، ويضيئها لنا في السجن، ولكن أعتقد أنه في بيئته ومحيطه في شمال سورية لدى الأكراد كان له دور تنويري ووطني خاص يعرفه السوريون ويقدرونه جدًا. 

من خلال حواراتنا عبر هذه النافذة مع مشعل لا يمكنك الشعور من الأفكار التي يقولها ومن آرائه أنَّه كردي، وأنه واحد من مكونات الشعب السوري، إنما هو يمثل الشعب السوري، ويتكلم باسم السوريين، وكانت قد بدأت المظاهرات في عامودا وفي بقية التجمعات السورية في الشمال في القرى الكردية، ولكن مشعل كان يتكلم كسوري مثل الكلام الذي كنا نسمعه في بقية مواقع الثورة والتظاهرات في دمشق وريفها والأماكن الأخرى.