الذاكرة السورية هي ملك لكل السوريين. يستند عملنا إلى المعايير العلمية، وينبغي أن تكون المعلومات دقيقة وموثوقة، وألّا تكتسي أيّ صبغة أيديولوجية. أرسلوا إلينا تعليقاتكم لإثراء المحتوى.
ملاحظة: الشهادات المنشورة تمثل القسم الذي اكتمل العمل عليه، سيتم استكمال نشر الأجزاء المتبقية من الشهادات خلال الفترة اللاحقة.

التحقيق مع برهان غليون في فرع فلسطين والنشاط السياسي في بداية حكم بشار الأسد

صيغة الشهادة:

فيديو
صوتية
نصوص الشهادات

مدة المقطع: 00;28;59;59

الفرع الذي استقبلني والذي كان يحقق معي هو فرع فلسطين، وليس معنى ذلك أنَّه هو الذي كان يحقق مع كل الناس، هناك أشخاص كانوا يذهبون إلى فروع أخرى، ولا أعلم لماذا كان حظي أن أكون في فرع فلسطين، ربما حسب الأشخاص تحدد القيادة العليا من هو الضابط الكبير الذي سيستقبل فلاناً.

في فرع فلسطين بقيت لفترة طويلة، ورأيت ثلاثة تغيروا في رئاسة الفرع: أولهم كان اللواء مصطفى النجار (اسمه مصطفى التاجر - المحرر)، وهذا أول شخص رأيته في المخابرات، في حياتي، وأول شخص حقق معي، اسمه مصطفى على ما أظن، وكانت مقابلة عنيفة، وفي نفس الوقت كان الهدف منها التطويع والتخويف والتهديد المبطن بالأحرى. وهو بدأها بقصة: أنت تتهمنا بأننا أخذنا-هذه كانت أهم فكرة- السلطة بالدبابات، كان التحقيق حول المحاضرة؛ لأنها جاءت مباشرة بعد محاضرتي في منتدى الحوار الوطني حول التغيير في سورية. وقال: أنت قلت في المحاضرة: إنَّك ضد الفلاحين، واتهمتنا بأنَّنا فلاحون. وفي الحقيقة، على العكس تماماً، لم يكن هناك شيء من هذا، قلت له: نريد أن ننتهي من قصة الفلاحين والمدنيين، فإذا كنت تعتبر نفسك فلاحاً فإن الفلاحين أصبحوا جزءاً من الدولة وجزءًا من البلد، وأنتم أصبحتم النخبة الأساسية المسيطرة على مقاليد الأمور اليوم؛ فإلى أين تريدون أن تلاحقوا المدنيين؟ فكلهم خرجوا، ولنخرج من تلك القصة، وندخل في نخبة وطنية من أصل فلاح وغير فلاح، وهذه أمور من الماضي، يجب ألا تتكلموا بها، ومَن مِن أهل المدن يضطهد الفلاحين اليوم؟ وقال لي: يجب أن تعرف أنه من المستحيل أن نرجع، ونعطي بناتنا للبرجوازية المدنية. وقلت له: من يجرؤ؟! أنتم الحاكمون اليوم. هذا الكلام يجب ألا تتفوه به أبداً؛ لأنه لم يعد أحد يقوم بهذا التصرف، ولنتجاوز هذه الفترة القديمة التي من المؤكد أن الفلاحين عانوا فيها كثيراً؛ لأنه كان يوجد طبقة إقطاعية سيئة وثقافتها سيئة تجاه الآخرين، ولكن اليوم أصبح هذا الشيء من الماضي، ويجب أن نتجاوزه.

 ثم قلت له: ليس كل أهل المدن برجوازيين- وهذه نقاط مهمة- قال لي: لا، كلهم برجوازيون. قلت: هناك عمال، وهناك أشخاص يموتون من الجوع. فقال لي: كلهم بدون استثناء برجوازيون، وضدنا. وهذا المنطق يجب أن يحفظه الواحد منا. وقلت له: إذا بقيت تفكر هكذا فلن يكون هناك مخرج من هذه القصة، وسنبقى نحارب بعضنا إلى الأبد؛ إذا كنت تظن أن كل المدن برجوازية وكل الريف كان مضطهداً. بعد ذلك، قفز إلى قصة أخرى، وقال: أنت قلت: إنَّنا جئنا إلى السلطة على ظهور الدبابات-[يقصد] في محاضرتي- فقلت: أبداً، لا أذكر أنني تحدثت عن الدبابات والسلطة في محاضرتي. ولكن إذا كنت تسألني الآن: هل أتينا على ظهور الدبابات أم لا؟ سأقول: إ نكم جئتم على ظهور الدبابات. قمتم بانقلاب عسكري. هل قمتم بانتخابات؟ هل أتيتم بانتخابات شرعية؟ قال: نحن هنا منذ ثلاثين سنة-هذه الردود مهمة- ألم نصبح شرعيين؟! فقلت له: إذا كنتم تبحثون عن الشرعية، والشرعية مهمة فعلاً بالنسبة لكم، وقبل ذلك، كان [عبد الحليم] خدام قد أقام محاضرات، أنتم تقولون: إنَّ لديكم أربع ملايين عنصر في البعث، وإنكم شعبيون، وإن الجمهور معكم، وإنَّ الآخرين عبارة عن أقلية صغيرة متآمرة عليكم (المعارضة)؛ فقوموا بانتخابات، واربحوها، واقلعوا أعين المعارضة، وقولوا لهم: هل رأيتم شرعيتنا؟ قوموا بانتخابات نزيهة كحد أدنى.

بعد ذلك، لم يعد عنده إمكانية كبيرة لطرح الأسئلة، وصرت أنا أطرح عليه الأسئلة. منها مثلاً: أنه قال لي: رياض سيف رجل تاجر، والثاني: زميله مأمون الحمصي تاجر حشيش (مخدرات) أو مهرب. فقلت له: أنتم لم تعتقلوه بعد تهريب الحشيش. ربما يكون ليس لدي معلومات، وليست مهمتي أن أتابع من هو، ولكن أنتم اعتقلتموه عندما قام بإضراب عن الطعام من أجل حقوق الإنسان؛ فإذا كان صحيحاً أنه كان تاجر حشيش فأنتم جعلتم منه بطلاً سياسياً، وهو لم يكن كذلك. فلماذا لم تعتقلوه عندما كان يهرب الحشيش وانتظرتم حتى يدافع عن حقوق الإنسان؟! فرجع يقول لي: رياض سيف يريد السلطة. فقلت له: إذا طمح رياض سيف أو غيره بالمشاركة في المسؤولية الوطنية، فما هو المانع؟ ولماذا لا يحق له؟ هل طوّب (امتلك) البعث البلد باسمه، ولا يحق لأي شخص أن يشاركه بها، أو يحلم بأن يصبح مسؤولاً في الدولة؟! فاجأته كثيراً؛ فارتبك قليلاً. وبعد ذلك، قلت له: من هذا الإنسان -أظن أنني قلت: الحمار- الذي يحبس شخصاً مثل رياض سيف. وأنا لو كنت مكانه لكنت عملت من رياض سيف عشر نسخ، وأرسلت إلى كل بلد أوروبي نسخة؛ من أجل أن يأتي باستثمارات، وأشغل الشباب، وأخفف الضغط عليَّ من البطالة؛ لا أضعه في السجن. كيف يهددكم رياض سيف؟ ماذا يمتلك رياض سيف؟ أنتم عندكم جيوش وأحزاب وأجهزة، وهو مجرد شخص لديه عائلته. من قليل الفهم الذي أمر بذلك؟! والدول العربية اليوم تعاني من حركات متطرفة كلها معارضة إسلامية متعصبة، بعث الله معارضة كلها إما: محام، أو طالب، أو طبيب، وكلها طبقة وسطى متنورة علمانية متنورة وإلخ، وتطلب الحد الأدنى من الحقوق؛ لتعطوها فرصة لتتنفس. من الذي يكون لديه معارضة كهذه ويحطمها؟ فأنتم إذن تريدون أن تخرجوا الإسلاميين، وليس لها معنى آخر. 

 وأنا أكملت، وهو سكت، وهمد (لم يعد يقوم بأية حركة)، وصرت أسأله: من يعمل كذا؟، ومن يعمل كذا؟ وبعد ذلك انتفض، قال لي: يكفي، لم أعد أستطيع السماع. صرت المحقق، وشعرت أنَّ المواقع تغيرت، وصرت شبه محقق، فضحكت، وتوقفت فوراً. فقلت له: لا تؤاخذني أبداً، وأنا آسف جداً، ليس هدفي أن أزعجك أو "نرفزك"، ولكن أنت طرحت الأسئلة، ولن آخذ من وقتك أكثر من ذلك.

حين خرجت سار معي إلى الباب؛ ولذلك أنا شككت. وهذه المقابلات كلها عليها تنصت. وقال لي: هل تعرف أنني أريد أن أشكرك؛ لأنَّي استفدت منك كثيراً. وقلت له: إن شاء الله، أتمنى أن يكون هذا الكلام له معنى بالنسبة لك. وذهبت.

كل الذين استقبلوني كانوا رؤساء الفرع، وهذا يفسر قليلاً ما يريدون، ورؤساء الأفرع الأخرى كلهم نفس الشيء: مناقشات من هذا النوع، وفي البداية فنجان قهوة وكأس عصير، ولا يوجد عنف إلا في الكلام، لم يكن هناك عنف [جسدي] أبداً. 

لا، هم أذكى من ذلك، فذلك انتهى، وهم يناقشونني على أنَّني شخص أفهم-بهذا المنطق- ويريدون أن أكف عن دعم المعارضة، ولا يعتبرونني خصماً أو طرفاً؛ فأنا أعيش في الخارج، وأستاذ هناك، و[لسان حالهم يقول]: أنت رجل أنعم الله عليك، تجلس في بلد من أجمل البلدان. وهناك أشخاص تكلَّموا بذلك معي مباشرة: أنت أستاذ في جامعة، ولديك راتب كذا؛ فما علاقتك بتلك القصة؟ وسيخرج لك منها وجع رأس (متاعب)، وفي كل اللقاءات كان هدفهم أن يقولوا لي: سنوجع رأسك. بمعنى: علاقتك بتلك البلد وجع رأس؛ ليتك تذهب، ابق في بلدك، ولا نريد منك شيئاً، واتركنا وشأننا.

ومن الأمور التي تذكرتها في هذا الإطار من مصطفى التاجر، وقلت له: إذا استمررتم في هذا العمل سيحصل انفجار عنيف للغاية، فالأمور لا تحتمل أن تستمر كذلك، وطوَّرت الكلام: أنَّ هناك فقر وبؤس وقهر. فقال لي: إذا انفجرت فهذا عملنا، وليس عملك. فقلت: كيف ليس عملي؟ هذا البلد بلدي، وهذا الشعب شعبي، وإذا انفجرت سيحصل موت ودم وقتل. قال لي: هذا عملنا، وليس عملكم أنتم. 

فكان تصورهم: أنت تتدخل في شؤون غيرك، ونحن لا نريد الإضرار بك، ولا نريد أن نشتمك، وأنت متحرر وحر مثلنا؛ وهم يتصورون أنفسهم متمدنين، وهناك شعور عنصري عند جماعة النظام، ليسوا هم فقط، ولكن أي نظام في مثل هذه الظروف يتولد عنده هذا الشيء: نحن متمدنون وحداثيون وعلمانيون، وأنت مثلنا (بهذا المعنى). ومن دون أن يقولوها مباشرة، ولكن كان هذا جوهر حديثهم، فمالك ولهؤلاء الهمج والمتخلفين الذين يحركهم الإسلاميون؟! ولم يكن هناك تركيز على الإسلاميين، ولكن كان التركيز أنَّ البلد نار، وأنَّهم يتعاملوا مع النار بالطريقة التي يعرفونها.

 لم يكن أحد منهم يذكر لي بشار الأسد، وطبعاً، كانت صوره حاضرة في كل مكان، ولكن لم يسألني عنه أحد؛ لأنني كنت قد تكلمت عنه كلاماً ليس جيداً كثيراً، شخص واحد منهم فقط تكلَّم عنه.

 وبقيت لفترة طويلة في فرع فلسطين، وحقق شخص معي هناك حول مقال كنت قد كتبته [يتحدث عن] نهاية الإمبراطورية، "السياسة الخارجية السورية ونهاية الإمبراطورية". وكنت قد تكلمت عن حافظ الأسد: أنَّه "إمبراطور"، وانتهت هذه الفترة؛ فقال لي: أنت تكلمت كذا، وقلت كلمات عن سيادة الرئيس، قلت عنه: إنَّه ديكتاتور. طبعاً، هذه في عهد بشار، وكان يحقق في مقال كان قد نشر منذ عشر سنوات، وقلت له: هذا المقال منذ عشر سنوات، أنا نسيته! من أين أخرجته؟ قال لي: لا، ولكن لأنني مثقف، وأقرأ، وأحدهم أرسله إلي، وأتاني الأمر من فوق (القيادة)؛ لأحقق في الموضوع. وقلت له: هل يقول حافظ الأسد: إن نظامنا ديمقراطي! هو لا يقول إن نظامنا ديمقراطي. كان في ذلك اليوم تصريح بأنه يجب أن يصبح دخل الفرد السوري عشرين ألف دولار في السنة؛ من أجل أن تصبح هناك ديمقراطية. هذا قيل في أحد خطابات حافظ. قلت له: لم أسمع أنَّه يقول هذا الشيء، وهل هو يستحي أن يؤسس سلطة، وبعد ذلك ينكر ما هي طبيعتها؟ هذا نظام سياسي، وقال: أنا أتكلَّم علماً ولا أتكلم "إيديولوجية". طبيعة النظم هذه يسمونها في العلوم السياسية: "ديكتاتورية". فقال لي: ولكن نحن لا نسميها هكذا، فقلت: سموها ما شئتم، ولكنني أعمل في العلوم السياسية، هذا مفهوم علوم سياسية. فقال: ولكن يجب ألا تقال بهذه الطريقة عن سيادة الرئيس. فقلت: لا تقال بهذه الطريقة بالنسبة لشخص يقوم بخطاب للجمهور، ولكن بالنسبة لشخص يحلل هل أقول: الرئيس الديمقراطي؟! هو لا يقول عن نفسه كذلك. هل سمعت أنه يقول:" أنا ديمقراطي"، أو سأحقق الديمقراطية؟! فهو لم يعرف [ماذا يقول]؛ فأنهاها بقوله: أنا شخص مثقف، وحظك جيد أنَّك وقعت [بين يدي] ضابط مخابرات مثقف. وكان عميداً ورئيس الفرع، وهددني بقوله: وأنا حرصاً على سلامتك أتكلَّم معك هكذا؛ لأنَّك ممكن أن تقع [بين يدي] شخص ليس مثقفاً، والكثير من ضباط المخابرات مثل الهمج؛ فأنا لمصلحتك أقول ذلك. وأنا أعرفكم [جماعة] المثقفين، وأنا مثقف وأتابع، وأقرأ.

 وقلت له: شكراً جزيلاً على التحذير. وكان هدفه أن يقول: إذا حدث ذلك مرة ثانية مع شخص آخر فمن الممكن أن يهينك. فقلت له: شكراً سيادة اللواء. وخرجت.

 والسؤال هنا: ما هو تصورهم [للموضوع]؟ هم يتصورون أنَّهم إذا ضغطوا علي كثيراً، أو إذا آذوني؛ ممكن أن يسبب ذلك لهم مشاكل؛ على اعتبار أنني أستاذ في جامعة كبيرة، وفي فرنسا، وأن الفرنسيين قد يتدخلون، وفي نفس الوقت يريدونني أن أكف يدي عن البلد. ولذلك كنت مصراً أن آتي؛ لا أريد أن أترك الشباب لوحدهم، ولم يكن لدي طموح للعودة أصلاً، ولكن كنت مصراً على الذهاب [إلى سورية]. وكانوا يزيدون في كل مرة جرعة الضغط، ويزيدون ساعات الانتظار. في الحقيقة، ساعات الانتظار مؤلمة قليلاً؛ فكان الشخص يأتي في الساعة الواحدة، ويخرج في الساعة الخامسة من المطار. وهذا أقصى ما كانوا يستخدمونه، هم يتبعون سياسة "التطفيش" ( إزعاج الشخص وعرقلة شؤون حياته بشكل يدعوه إلى السفر خارج البلد)؛ حتى لا أرجع إلى سورية، ولم تأخذ المخابرات قراراً بإيذائي؛ لأنَّني من الممكن أن أعود إلى فرنسا فيما بعد، وأصبح ضدهم وأشتمهم.

الأجهزة الأمنية لم يكن عندها سلطة كأجهزة أمنية، الأجهزة الأمنية كانت أدوات، والسلطة كانت مركّزة بيد العائلة، ولم تكن ظاهرة، كانت بيد العائلة وحواشيها، ليس بيت (عائلة) الأسد فقط، مثلاً: محمد مخلوف. هناك مجموعة من الشخصيات التي لم تكن ظاهرة بالمناصب، وليس عندها بالضرورة مناصب، المناصب كلها كانت واجهة، والأجهزة هي أدوات أو مخالب، ولكن لم تكن المخالب هي من تفكر، وإنما هناك خلية متراصة عائلية وحول العائلة، خلية عشائرية، والقبيلة أو العشيرة القريبة والشخصيات المهمة البارزة التي يثقون بها هم الذين يأخذون القرارات. 

 من البداية، كنت أعتقد أن بشار كارثة، وليس لديه أي موهبة ولا أي إمكانية، وليس لديه قدرة في كل الميادين: السياسية والفكرية والإنسانية على حكم البلد؛ وهذا الذي شجعني على أن آت، وأقاتل [إذا استطعت]، وبدل أن نخرج من حكم الأسد الذي كنت أظن أن هذه نهايته دخلنا في نفق، لا نعرف كيف نخرج منه. وهذا كان شعوري العميق، وكنت أقارن، حتى أنني قلت في مقال كتبته: "ربما نرى فيما بعد أنَّ إسرائيل ليست الكارثة الأكبر بالنسبة لنا"- أريد أن أعود للمقال- وكنت أرى أنّنا لن نتخلص من هذا النظام إلا بكارثة؛ لأن كل شيء أصبح مغلقاً، وسيطرتهم أصبحت مطلقة على كل المواقع.

 بدا لي بشار ليس ضعيفاً فقط؛ لأنَّه ليس لديه مواهب، وليس لديه إمكانات، ولا فهم للسياسة. فأبوه على الأقل كان لديه خبرة سياسية خلال فترة مراهقته، وكان يعمل في حزب وإلى آخره؛ وبسبب افتقاره لأي فهم لأي عمل اجتماعي، ليس العمل السياسي فقط (للعمل بجمعية). شخص مدلل ابن ملك، ولد ابناً " لإمبراطور"، ولم يهتم بمسؤولية طوال حياته ولم يهتم بأحد أو بابن أو بأي شيء؛ فكيف يستلم مصير بلد مثل سورية، هذه هي الكارثة.

 ضعفه هذا لا يعني أنَّه لا يضرب، بل على العكس؛ لأنَّه مفتقر لكل المواهب، سيكون تعامله مع الأحداث ومع الشعب سيكون بالعنف، وليس لديه إلَّا أن يظهر أنَّ لديه أنياباً وأظافراً، وأنه قادر على أن ينتقم، ويقتل، وأنَّ من يرفع رأسه أضربه. وهذا الذي كان يخيفني منه، وشعرت أنَّ هناك ضعفاً حقيقياً في داخله، ولا يوجد هامش مناورة معه. 

حتى والده الذي كان رمزاً للطغيان كان لديه حس التراجع أحياناً ولو قليلاً: حين فرض رفعت [الأسد] نزع الحجاب عن النساء السوريات في الشوارع عاد حافظ الأسد بعد يومين، واعتذر، وأوقف العملية -إذا كنت تذكرين- وهذا يدل على أنَّ لديه حداً أدنى وهامشاً للتراجع، وأنَّها غلطة، وربما هو لم يكن ضد ذلك، ولكن حين رأى رد فعل [تراجع]؛ [بشار] ليس عنده هذا الشيء على الإطلاق؛ ولذلك كنت أعتقد أنَّنا في خطر كبير، ونحن داخلون في مأساة حقيقية.

أنا قمت بثلاث أو أربع ندوات في حلب، لم أقم بندوة واحدة، ولم تكن مغلقة، كانت مفتوحة، وفي واحدة منها كان الناس على السطح (نتيجة لضيق المكان)؛ بعد أن أصبح هناك ضربة للندوات. وأصبحت تقام بسرية، ولا يعني أنها كانت مغلقة، مثلاً: لا يعلنها الشباب المنظمون لها، يخبرون بعضهم البعض، ويعلنوها قبل ساعتين؛ لأن الأمن كان يأتي، ويغلق الشوارع مباشرة، حين يعرف أنَّه سيحدث لقاء هنا، ويقومون بالاعتقالات؛ فصرنا نقوم بها (بالدعوة للندوة) بالسماع والنقل البشري والنقل العام. وقمت بندوة مع [عبد المجيد] منجونة بعد أن دعاني، وقمت بندوة أخرى، ولم يكن اسمها مغلقة، ولكن في صالون كبير أو في فيلا كبيرة، ولا أتصور أنَّه لم يكن فيها مخابرات، والمخابرات ليسوا ضعفاء إلى هذه الدرجة حتى لا يدخلوا إليها، ولكن لم يكن يوضع لها إعلان. 

ودعيت إلى ندوة في منتدى الكواكبي لسمير نشار، دُعيت إليها من قبله- ولا يوجد ندوة لم ألبّ دعوتها حتى السرية منها- وحالما وصلت اتصل بي رئيس فرع فلسطين، وقال لي: إنَّ هذه [الندوة] لا نريدك أن تقوم بها، وقلت له: لا أستطيع أن ألغي ندوة كنت قد وافقت عليها. وسابقاً، عقدت في منتدى الكواكبي لقاء في صالة صغيرة [تتسع] لعشرين شخصاً. وقال لي: يجب أن تلغيها؛ لأنَّ هذه الندوة ممنوعة. وأنا أنبهك: إنها ممنوعة. فقلت: إذا كنت تنبهني أنَّها ممنوعة أصدر قراراً بمنع الندوة، أنا لا أستطيع إلغاء الندوة، ولكن أنت سلطة أمنية معروفة، تستطيع أن تلغيها، وتقول: من يذهب سنحبسه؛ فهذا عملك، ولكن أنا لا أقولها. وقال لي: انتهى الموضوع، أنا سألغي الندوة. وكان بإمكاني أن أتحدَّاه، وأقول له: أريد أن أذهب. ولكن السياسة: أن يحسب الشخص المنفعة والخسارة، وكنت حريصاً على أن آتي وأذهب إلى سورية؛ حتى أبقى ضمن التيار وضمن الحركة

أول ما نزلت من الطائرة، وبعد عدة ساعات من وصولي، اتصل بي العميد زهير الحمد، وقال لي: هذه الندوة ممنوعة، ويجب أن يتم إلغاءها. قلت له: لا يمكنني أن أقوم بإلغاء ندوة أعطيت موافقتي عليها، ولا أستطيع أن ألغيها. وقلت له: إذا كنتم خائفين منها كثيراً فأنت مسؤول أمني، وأنت خذ القرار، لست أنا من يأخذ القرار، وهذا قرار ستتحمل مسؤوليته، أنت تريد إلغاء الندوة، وأنت تتحمل مسؤوليتها. فقال لي: أنا أتحمل المسؤولية. فقلت: لا، يجب أن تخبرهم، وتصدر قراراً، وتقول لهم: هذه الندوة ممنوعة للمنتدى نفسه، وقال: أنا سأخبر المنتدى، ولكن أنت لا تذهب. فقلت: بما أنك تحملت المسؤولية فأنا لن أذهب.

 حساباتي ليست بأنني أنا أتيس (أعند) منك، الشجاعة في السياسة ليست بالتيسنة (العناد)، الشجاعة: أن يحسب الشخص، ويتراجع خطوة ليتقدم خطوتين. وسكتت عن هذا الموضوع من أجل أن أستمر في الندوات والمحاضرات، وأرى الجو كيف يتحرك، وأبقى على اتصال مع الحركة الديمقراطية والحركة الفكرية في سورية؛ أما إذا تحدَّيتهم فهذا عمل الأطفال الصغار، بمعنى: أن قراري هو الذي سيتحقق، واقتلني إذا أردت ذلك، أو اسجن الآخرين. وهذا كلام ليس له معنى. 

هي حسابات سياسية، وربما من كان لديه شكوك بولائي ووطنيتي يراها شيئاً آخر، ولكن هذه نتركها لرب العالمين.

معلومات الشهادة

تاريخ المقابلة

2022/02/25

الموضوع الرئیس

النشاط السياسي قبل الثورة السوريةسياسات النظام الأمنية

كود الشهادة

SMI/OH/91-07/

أجرى المقابلة

سهير الأتاسي

مكان المقابلة

باريس

التصنيف

سياسي

updatedAt

2024/04/18

المنطقة الجغرافية

عموم سورية-عموم سورية

شخصيات وردت في الشهادة

كيانات وردت في الشهادة

فرع فلسطين في المخابرات العسكرية 235

فرع فلسطين في المخابرات العسكرية 235

منتدى الحوار الوطني

منتدى الحوار الوطني

منتدى الكواكبي

منتدى الكواكبي

الشهادات المرتبطة